ثم أمر أبو الطيب بشد الرحال فانطلق الركب، وما زال ينتقل من حلة إلى حلة، ومن منهل إلى منهل، حتى بدت له معالم الكوفة بمآذنها وقبابها، فكبر القوم وهللوا، وصاح محسد: هذه هي الكوفة! هنا ولد أعظم شاعر! هنا ولد شاعر العرب الذي تفتحت له سماوات الوحي، وتدانت له قطوف الإلهام! لقد قهرنا الصحراء وأذللنا صعابها وشققنا منها قلبا لم يشقه منسم ولا حافر، وألقينا على كافور درسا لن ينساه، وعلمناه أن أظافره وإن طالت لم تمس للبطل العربي الهمام شسعا!
ودخل المتنبي الكوفة بعد أن قضى في الصحراء ثلاثة أشهر، وبعد أن نجا من أهوالها كمن ينجو من ماضغي أسد، أو يقذف به اليم إلى الساحل بعد صراع عنيف. دخل الكوفة شامخ الرأي تياها، وهو يقول:
ألا كل ماشية الخيزلي
فدى كل ماشية الهيدبي
ضربت بها التيه ضرب القما
ر إما لهذا وإما لذا
لتعلم مصر ومن بالعراق
ومن بالعواصم أني الفتى!
وأني وفيت، وأني أبيت
وأني عتوت على من عتا
Bilinmeyen sayfa