وانطلق الركب بين الحذر والوجل، وأرسل المتنبي نظره إلى نواحي الأفق البعيد خائفا مذعورا، «إذا رأى غير شيء ظنه رجلا» كما يقول، وما مر بالقوم يومان حتى صاح فليته ذات صباح، وكان مطرح النظر، يرى بعيني زرقاء اليمامة: إني أرى عن بعد سربا من الخيل يسير إلى جانب الجبل، وأحسب فرسانه من أعوان كافور، فمد المتنبي عنقه، وحدق بعينيه وقال: صدقت يا ابن محمد. يجب أن نختفي جميعا وراء هذه الأكمة وهي منا جد قريب. ومال بجواده نحوها فسار خلفه العبيد وهم لا يعلمون من الأمر شيئا، ووقف هو ومن معه خلف الأكمة ساعتين أو أكثر، ثم أرسل مسعودا ليكشف له أمر الفرسان فلم يجد لهم أثرا. فقال فليته: أغلب الظن أنهم عادوا من حيث أتوا بعد أن يئسوا من الطلب. وزفر المتنبي وقال: ألا يزال هذا الأسود يطلبني ويسأل عني كل رملة من رمال الصحراء؟ تعس العبد. والله لن ينال مني ظلا.
قطعت بسيري كل يهماء مفزع
وجبت بخيلي كل بيداء بلقع
وثلمت سيفي في رءوس وأدرع
وحطمت رمحي في نحور وأضلع
وفارقت مصرا والأسيود عينه
حذار مسيري تستهل بأدمع
ألم يفهم الأفعى مقالي وأنني
أفارق من أقلي بقلب مشيع؟
ولا أرعوي إلا إلى من يودني
Bilinmeyen sayfa