ولكن علي أن أقبل زيارته، أجل سأقابله بما يليق بمقامه السامي.
وذهبت إلى غرفتها مخلدة إلى أجمل ما في نفسها من الطباع وأهدئها.
وجلست مكبة على المرآة تزين وجهها.
علي أن أستعد لمقابلة سيدي.
ومرت بأناملها البيضاء الناعمة في شعرها الذهبي، فأرخته مسدلة إياه على وجهها، ثم سرحته وضفرته إلى جديلتين، وهي تقول متكلفة الغنج والدلال: إكراما لسيدي، من أجل إله حلمي، من أجل عشيقي القادم من الشمال، قالت هذا وهي تمر الميل بين هدبيها تكحل عينيها.
ثم نهضت خالعة عنها ثيابها، ودهنت جسمها بالطيب، وارتدت فستانا عريضا شفافا أخضر اللون، يجر ذيله على الأرض، ومشت بضع خطوات؛ فزاد زيه بجمال قدها، وشف تجعيده عن بياض جسمها، وأنيق خطوطه، ولبست فوقه سترة موشاة بالذهب، شدتها على الصدر، ضاغطة عليه حتى أصبح مساويا لما تحته من الحرير الناعم، وتمنطقت بمنطقة أقل اخضرارا من الفستان ضمت ثدييها، وقد أنزلتها قليلا حتى ظل خصرها باديا في لينه وتمايله. أما خفاها، فكانا من الحرير المقصب كسترتها رسما ولونا، يتلألأ فوقهما خلخال من الذهب المرصع بالحجارة الثمينة، فكانت حقا سلطانة، بل حورية فتانة الجمال؛ إذ وقفت وهي في هذا الزي ويداها مشبوكتان حول نحرها تنظر شزرا في المرآة، وتصعد الزفرات.
ثم قالت وهي تمزج في كفها نقطة من عطر الورد ببضع قطرات من «سكلا من رويال»، وتدهن صدرها: من أجل سيدي.
ثم نادت بالخصي سليم، فأعطته التعليمات اللازمة بخصوص القهوة، وذهبت إلى الدارخانة، وبيدها كتاب نيتشى «هكذا قال زاراتوسترا».
وجاء الجنرال فون والنستين نحو الساعة التاسعة، فأعلن قدومه إليها.
فأسرعت لمقابلته عند الباب قائلة: أهلا وسهلا بالجنرال، أنا مسرورة جدا برؤيتك مرة أخرى، وكانت جهان ترحب بالجنرال وعلى ثغرها ابتسامة ساحرة كأن لم يكن من مؤثر في عقلها وروحها، أو كأنها في ساعة أنس وحبور؛ فدهش الجنرال من تصرفها، وعبثا حاول إيجاد سبب للريبة فيما رآه منها، جميل يصعب عليه حتى على من هو أبعد منه نظرا وبداهة في الخاطر في مثل تلك الحال أن يخترق حصون أنسها ومجاملتها، فلقد أجادت في التكليف والمصانعة، متقنة دور السحر والتظاهر، وهي بما ارتدته من اللباس العثماني الذي لم يقابلها به قبلا قد ازدادت فتنة وجمالا، وقد خطر في باله في الحال أنها لم يبلغها خبر قتل أبيها، ولهذا لم يكن عنده شك أنها تزينت لأجله؛ لأجل عشيقها، لأجل من ظفر بها، وإنه لسماجة منه وفظاظة أن يكدر خاطرها الآن، ويفاجئها بالخبر، فإنه بهذا العمل يهدم معاقل آمالها، ويخيب رجاءها، ويذبح حلمها، وحلمه أيضا بما كان يجول في نفسه من التمنيات الحيوانية، إلا أنه لم ير مناصا له من الإلماع إلى الموضوع في الأقل، فكان عليه أن يقول شيئا يطمئن بالها.
Bilinmeyen sayfa