واستيقظت فتحية السلطاني حوالي المغرب، في الحجرة التي تقيم فيها مع دولت ونعمات وأنيسة وعلية، وكانت درية (شلبية) أول ما خطر ببالها، وانفجر في رأسها بركان من الغضب لم يفارقها طيلة الوقت الذي قضته في الحمام، وهي تغير ريقها، ثم وهي واقفة أمام المرآة تتبرج: الخنزيرة .. الكلبة .. ماذا تظن بنفسها؟!
وتثاءبت دولت، وقد أدركت من تعني، وقالت وكأنما تعتذر عن الأخرى: كانت سكرانة! - ولو! .. إنها تشرب البرميل فلا يدور لها رأس.
ونسيت الموضوع دقائق وهي تروض شعرها المتمرد، ثم عادت تقول: نظرت إلي من فوق! .. العفو .. العفو يا مولاتي! .. أنسيت عرشك تحت الجاموسة؟
وقالت نعمات: كانت سكرانة وهي غير معتادة، ورغبت في مداعبتك، ترى أين باتت ليلتها؟ - في أي داهية مع أي جربوع، وستعرف الليلة من أنا!
وذهبت أول الليل، فتجولت طويلا على كورنيش النيل دون ثمرة، ثم قصدت حلواني كوكب الشرق، فاتخذت مجلسها المعهود بالدور الثاني، وأخذت ترامق الموجودين وتنتظر، ومن آن لآخر تنظر نحو المدخل، وهي تتوثب للقاء غريمتها. ولما مر النادل سألته: ألم تر درية؟
فأجاب دون أن يتوقف: زمانها جاية. •••
وأمضى عادل اليوم متسكعا بين الحدائق على شاطئ النيل، لم يذهب إلى الكلية، ولم ينم ليلة أمس ساعة واحدة، وتأبط الجريدة، وكلما وجد نفسه في خلاء، فتح صفحة الحوادث وأدام إلى الصورة النظر، وقال إنه سيسقط آخر الأمر من شدة الإعياء، وقال إن ريقه جاف ومر، وتنفسه بطيء، وها هي الزوبعة الهوجاء قد سكتت، والأسئلة المندلعة قد خمدت، والنية المبيتة قد نفذت، ومع ذلك فلا يشعر مطلقا بأنه حقق مطلبا، أو بلغ أملا. لا شيء، خواء، انهيار، وقد قضي عليك. ولا مهرب، فإن يكن البقاء خطرا فالهرب أشد، وأين تهرب؟ وكم من راء يحتمل أن يكون رآك وأنت ماض بها؟ وخيل إليك أن صوتا ناداك في المرقى إلى الهرم، وفضلا عن هذا وذاك، فالبوليس كالهواء يملأ الأماكن المغلقة. - إلى أين تسير بي؟ - ما أجمل أن نبتعد في الصحراء!
هم يسألون عنك في الكلية، وينتظرونك حول البيت. ما أعجزنا عن أن نرجع دقيقة واحدة إلى الوراء! - درية .. أنت دائما تكذبين! - أنا لا أكذب، ولكنك لا تصدق. - كم أحببتك من كل قلبي، ولكنك لا قلب لك. - ما أشد الظلام حولنا! - قاسية كالحجر. - عادل .. صوتك متغير .. وأنا لا أحب الظلام. - لن تري بعد الساعة إلا الظلام.
انتهى كل شيء، وها أنت تنكلين بي في موتك كما نكلت بي في حياتك، لم تكوني امرأة، ولا آدمية، ولم ينبض قلبك بالحب أبدا. قوة شريرة خلقت من الشر لتمارس الشر.
صوت مزعج
Bilinmeyen sayfa