31
ومنذ عهد أرسطو كانت تلصق هذه التهم بمجوس الفرس والكلدان، فإن هذا الفيلسوف قد أفرد مؤلفا خصيصا بذلك وسماه «الماجيك»
32
ليدفع عنهم التهم التي ظهر له فسادها. وفي كتابه المسمى «في الفلسفة» ظن أن من الواجب عليه أن يشتغل بأمر المجوس الذين يعتبرهم أقدم عهدا من كهنة مصر. ولما وصل إلى لاهوتهم تكلم عن الأصلين اللذين يعترفون بهما: الحسن والقبيح «أوروماز وأريمان».
ومن الكتاب المتأخرين عن أرسطو من جعل المجوس آباء الجمنوزوفست (فلاسفة الهند المتريضين)، بل آباء اليهود أيضا. وفي كتاب دانيال الذي كتب في عهد دارا أن مجوس بابل ليسوا إلا منجمين وسحرة ومفسري أحلام، ومع ذلك كانوا يلقبونهم بالحكماء، ولكن الخدم التي تطلب منهم لا تكاد تدل على أنهم أرفع درجة من المحتالين والسحرة الدجالين، فهل هم أنفسهم أولئك الذين كان لهم أرصاد فلكية في بابل قدرها أرسطو خير تقدير.
33
ولكن المجوس إذا كانوا فلكيين مهرة فليسوا فلاسفة، وكتبهم الدينية (زند) التي نعرفها الآن بطريقة أكيدة تبين لنا ذلك بغاية الوضوح؛ فإن الفنديداد واليسنا واليشت وجميع القطع المنسوبة إلى زورواستر (زاراتسترا) تشتمل على آثار من ديانة ظاهر عليها الجلال والقوة في خلال تلك الظلمات، ولكنها لا تشتمل على مذهب فلسفي. وهذه الكتب هي كل ما يمكن إسناده إلى مجوس كلدة؛ فإذا كان فيثاغورث قد اطلع عليها بالمصادفة فإنه لم يدخل منها شيئا في مذهبه الخاص: صلوات وأدعية وأناشيد وعقائد مبهمة وغير مستقرة وآثار من سير مقدسة، وخرافات ليست هي خرافات الفيداس وليست كذلك من خرافات الإغريق، ذلك على الأخص هو كل ما يمكن أن يقرأ في كتبهم. وهذا في الحقيقة لا ينقص من أهميتها الكبرى؛ فإن تاريخ الديانات يمكن أن يكتشف فيها الأصول النفيسة للغاية، ولكن تاريخ الفلسفة لا يجد فيها شيئا يجنيه، وعلى ذلك لم يكن المجوس ولا المصريون قد أوحوا إلى إغريق يونيا شيئا.
أفتكون الهند؟ ولا هي أيضا.
ليل حالك لا يزال يغشى الأصول الهندية وأخبارها، ولأن هذه البلاد ما كتبت قط تاريخها نصادف أكبر العناء في ترتيب الحوادث والوقائع المتنوعة التي تتعلق بها. كذلك الحوادث الخاصة بالعلوم والآداب لا تخرج عن هذا الخفاء العام، ومع ذلك يبين لنا - وسط هذا الاختباط الذي يكاد لا يخلص أبدا - بعض الأصول الرئيسية الحقة على ما فيهما من شدة الإبهام، فيمكن الجزم بأن آثارا بعينها من آثار العقل الهندي أقدم أو أحدث عهدا من بعض آثاره الأخرى. من ذلك أن أنواع الفيدا وعلى الأخص الفيدا التاريخي الذي لقب مع التسامح بلقب «الريك» هي متقدمة على سائر البقية وجماعة الفيدا أو على الأقل تلك المتقدمة لا يكاد يقل عمرها عن خمسة عشر قرنا قبل الميلاد، غير أن هذه الأناشيد الشعرية ليس فيها شيء من الفلسفة.
أما الخرافات الفياضة النامية فيها فإنها تشبه الخرافات اليونانية، كما أن بين لغتي اليونان والهند البرهمانية مشابهة أخوة، ولكن الطابع الفلسفي معدوم منها بالمرة. وأما الأوبانيشاد التي يمكن أن يوجد فيها هذا الطابع بعد البرهمانيات فمن المؤكد أنها متأخرة عن الأزمان التي نحن بصددها، فمع أن طاليس وفيثاغورث وإكسينوفان هم من القرن السادس قبل المسيح فإن الأوبانيشاد لا يمكن إبلاغ أقدمها إلا إلى القرن الرابع.
Bilinmeyen sayfa