الباب الخامس
هو يقرر أن لا شيء بموجود حقيقة، وأنه إن يوجد من شيء فهذا الشيء يبقى مجهولا عندنا، وإنه إن يوجد شيء ويمكن لامرئ العلم به فإنه لا يمكن التعبير عنه للأغيار.
69
فيما يتعلق بهذا القول الأول الذي هو أن لا شيء بموجود حقيقة، يؤلف غرغياس بين نظريات فلاسفة آخرين؛ إذ يقررون أفكارا متناقضة في أمر الحقيقة كما تظهر لنا. اعتقدوا هؤلاء أنه لا شيء إلا الوحدة وأن الكثرة ممتنعة؛ وأولئك - على ضد ذلك - أن الكثرة وحدها هي الحقيقية، وأن الوحدة ليست حقيقية؛ ذلك بأن بعضهم يرون الأشياء غير مخلوقة والآخرين يرونها مخلوقة.
70
يؤلف غرغياس بين هذين الرأيين ليدلل هكذا: «يقول إنه يلزم ضرورة إن كان شيء موجودا أن يكون هذا الشيء لا واحدا ولا كثرة، وأن تكون الأشياء لا غير مخلوقة ولا مخلوقة. وحينئذ لا شيء بموجود. وإذا كان في الواقع شيء فيلزم أن يكون إما أحدهما وإما الآخر.» فإما أنه لا وحدة ولا كثرة، وأن الأشياء ليست لا مخلوقة ولا غير مخلوقة؛ فإنه يحاول إيضاح ذلك إما كميليسوس وإما كزينون بعد برهانه الخاص به؛ إذ يثبت على طريقته أن الموجود واللاموجود لا يوجدان لا أحدهما ولا الآخر.
71
فعنده أنه إذا كان ممكنا أن اللاموجود يكون اللاموجود، فيكون اللاموجود ليس باقل وجودا من الموجود؛ لأن هذا اللاموجود يكون اللاموجود، كما أن الموجود يكون الموجود، بحيث إنه لا يمكن أن يقال على الأشياء إنها تكون بأقوى من أن يقال عليها إنها لا تكون.
72
يقول غرغياس: «إذا كان اللاموجود موجودا فمن ثم لا يكون الموجود بعد مقابلة؛ لأنه إذا اللاموجود يكون فيلزم أن الموجود لا يكون. وبالنتيجة أنه لا شيء بموجود؛ إلا أن يكون الموجود واللاموجود شيئا واحدا بعينه. ولكن إنما هما في الواقع شيء واحد؛ ومن ثم لا يوجد شيء؛ لأن اللاموجود ليس يكون، فالموجود ليس يكون كذلك ما دام أنه مماثل للاموجود.» هذا هو تدليل غرغياس حرفا بحرف.
Bilinmeyen sayfa