في الواقع إن شيئا يمكن أن يكون له بالضرورة حد من غير أن يكون ذلك بالإضافة إلى شيء ما، كما أنه ليس من الضروري أن ما له حد يكون له حد إضافي كالمتناهي بالنسبة لغير المتناهي الذي يليه. أن يكون متناهيا إنما هو أن يكون له نهايات ، ولكن ما له نهايات ليست له بالضرورة بالنسبة إلى شيء ما، بل يوجد بعض أشياء تكون معا متناهية وملامسة شيئا ما، ولكن من الأشياء أيضا ما هي متناهية وليست كذلك بالإضافة إلى شيء ما.
64
ومن جهة نظر أخرى القول بأن الموجود والأحد ليسا لا متحركين ولا يتحركان مع ذلك بحجة أن اللاموجود لا يتحرك إنما هو قول من الغرابة بمكان ما سبقه على الأقل. إنه لا تماثل قطعا - كما قد يمكن أن يظن - بين أن يقال إن شيئا لا يتحرك وبين أن يقال إنه لا متحرك، فمن جهة إنما هذا هو سلب للحركة على جهة ما يقال على شيء إنه لا يكون مساويا، وهذا يمكن أن يصدق حتى على اللاموجود، في حين أنه من جهة أخرى يقال على شيء إنه لا متحرك لأنه فعلا على حال ما، كما أنه يقال على شيء إنه لا مساو، فهنا السكون هو ضد الحركة كما أن على العموم جميع السلوب المكونة من همزة الإزالة تنطبق على أضداد. حق أن يقال على اللاموجود إنه لا يتحرك، ولكنه ليس حقا أن يقال على اللاموجود إنه في سكون. كما أنه لا ينبغي أن يقال إنه لا متحرك، وهذا ما له المدلول بعينيه، ولكن إكسينوفان يستعمل في حق اللاموجود لفظ السكون، ويقول إن اللاموجود هو في سكون لأنه لا نقلة له.
65
وكما قلنا آنفا قد يكون من الخطأ الجزم - لا لشيء سوى أن محمولا يصلح حمله على المعدوم - بأن هذا القول لا يكون صالحا بعد للحمل على الموجود، خصوصا إذا كانت الكلمة التي تستعمل لذلك ليست إلا سلبا، نحو قولهم: لا يتحرك ولا ينتقل؛ فإني أكرر أن كثيرا من المحمولات ما يجوز حمله أيضا على الموجودات؛ لأنه يوجد أشياء كثيرة لا يصدق عليها القول بأنها ليست آحادا بحجة أن المعدوم ليس واحدا. ثم إنه يوجد أشياء فيها السلوب بعينها تنتج الأضداد فيما يظهر. فمثلا من الضروري أن يوجد إما مساواة وإما لا مساواة ما دام هناك كم؛ وإنه كذلك يوجد إما زوج وإما فرد ما دام هناك عدد. وكذلك أيضا يلزم أن يوجد إما حركة وإما سكون ما دام هناك جسم.
66
غير أنه إذا قيل إن الله والأحد لا يتحرك ألبتة؛ لأن الأشياء المتكثرة تتحرك بعضها نحو البعض الآخر، فما الذي يمنع أيضا أن الله يتحرك بأن يسعى نحو شيء آخر؟ هذا قطعا ليس لأنه ليس إلا الله، بل لأنه لا واحد أحد إلا الله. وإذا لم يتحرك هو ذاته فما المانع أن أجزاء الله بتحركها بعضها نحو بعض أن يكون الله هو أيضا له حركة دائرية؟
67
لكن على هذا لا يكون بعد واحدا كما يعني زينون، إنما هو متعدد كما قد نبه إليه؛ لأن زينون يقرر أن الله جسم، سواء جعله هو الكل الذي نرى أو سماه باسم آخر. وإذا كان الله لاجسمانيا فكيف يكون في الواقع فلكيا؟ ويلزم أن يكون لاجسمانيا؛ أعني لم يكن أصلا لكي لا يكون له حركة ولا سكون. وإذا كان جسما فما المانع أن يتحرك كما قد قيل؟
68 (3) مذاهب غرغياس
Bilinmeyen sayfa