جمع بين الصحيحين (١) ومنهم من جمع بين الكتب الستة (٢) ومنهم من جمع أحاديث في أبواب العلم المختلفة، ولكل من هذه الكتب مزية يعرفها أهل هذا الشأن، فاشتهرت هذه الكتب بين الأنام، وانتشرت في بلاد الإسلام، وعظم الانتفاع بها، وحرص طلاب العلم على تحصيلها، ومن هؤلاء الإمام البغوي ﵀ فجمع كتاب "المصابيح"، من مصادر مختلفة.
ولقد نال كتاب البغوي هذا استحسان أكثر من جاء بعده لحسن جمعه وترتيبه، كما وصفه الصدر المناوي بقوله: "فإن أجمعَ المصنفات المختصرات في الأخبار النبوية، وأحسن المؤلفات الجامعات للآثار المحمدية كتابُ "المصابيح" وهو الكتاب الذي عكف عليه المتعبدون، واشتغل بتدريسه الأئمة المعتبرون، وأقر بفضله وتقديمه الفقهاء والمحدثون، وقال بتميزه الموافقون والمخالفون" (٣).
والأحاديث التي وردت في كتاب المصابيح قد رواها البغوي بأسانيده المتصلة إلى النبي ﷺ، ولكنه حذف أسانيدها طلبًا للاختصار، وعوض عن هذا فحكم على كثير من الأحاديث بتبيين المقبول منها والمردود وعلق بعض رواتها فذكر ما يتعلق بهم من جرح، فاحتل كتاب "المصابيح" مرتبة عالية من بين كتب السنة، وأقبل العلماء عليه إقبالًا شديدًا، فألفوا حوله الكتب الكثيرة ما بين شرح وتخريج، أو جمع بين الشرح والتخريج.
_________
(١) منها الجمع بين الصحيحين للحميدي (ت ٤٨٨ هـ) بتحقيق د. علي البواب، والجمع بين الصحيحين للإشبيلي (ت ٥٨١ هـ) وكذلك للصاغاني (ت ٦٥٠ هـ) مطبوع.
(٢) ومنها: أنوار المصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح للتجيبي (ت ٦٤٦ هـ) والتجريد للصحاح والسنن لرزين العبدري (٥٣٥ هـ)، وتابعه ابن الأثير (ت ٦٠٦ هـ) في كتابه: جامع الأصول .... طبع في ١١ مجلدا. وغيرها ..
(٣) انظر: مقدمة كتابنا هذا (ص: ٣٩).
1 / 2