بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى له طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له بالفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن سنة المصطفى هي أحد الوحيين وثاني الأصلين، إن الله وفق لها حفاظا عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، دعا رسول الله ﷺ لحَمَلتها بالنضرة، فقال: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب مبلغ أحفظ له من سامع" (١)، ولذا شَرُف أهل الحديث بحملها، وعلت رُتَبهم بخدمتها وتبليغها (٢)، فنشطوا في القرون الثلاثة الأولى لاختراع طرقٍ متنوعة لجمعها وترتيبها، وقواعِدَ لتحملها وأدائها، وضوابط لتحديد درجات المقبول منها والمردود، فصنفت الدواوين كالصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمعاجم والصنفات والموطآت ...، حرصا على حفظها، وخوفا عليها من الضياع، ثم تفنن العلماء في القرون التالية يجمع السنة بطرق مختلفة فمنهم من
_________
(١) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٤٣٧) والترمذي (٥/ ٣٤) رقم (٢٦٥٧) وابن ماجه (٢٣٢) من حديث ابن مسعود، وأطال ابن عبد البر في ذكر طرقه في جامع بيان العلم وفضله (١/ ١٧٥ - ١٩١) من رقم ١٨٤ إلى ٢٠٠، طبعة دار ابن الجوزي.
(٢) انظر: شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص: ٢٥ - ٢٧.
1 / 1