Kaç Yaşında Öfke?: Hikil ve Arap Zihninin Krizi
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
Türler
يذهب إلى أن سلاح المعلومات كان يستخدم عند هيكل في العطاء أيضا، فهو يرى أن من أهم أسباب المكانة الخاصة التي اكتسبها هيكل لدى عبد الناصر، منذ أول سنوات الثورة، أنه كان يزود زعيم الثورة بقدر هائل من المعلومات، التي تتجمع لديه من قراءاته الواسعة، والتي كان عبد الناصر - وهو لا يزال ضابطا حديث العهد بالحكم - في أشد الحاجة إليها. وهكذا بدأ هيكل بالعطاء، وفيما بعد سددت له هذه الديون أضعافا مضاعفة، عن طريق فتح خزائن الأسرار كلها له . وهكذا كان «سلاح الأرشيف» ذا حدين: يعطي أولا، ثم يأخذ بعد ذلك بلا حدود.
ولكن على الرغم من كل هذه الفرص الاستثنائية التي أتيحت لهيكل وحده، في ظل أسلوب حكم فردي مطلق، وكشفت له عن القوة الهائلة التي تكمن في «سلاح الأرشيف»، فإن المرء لا يملك إلا أن يشعر بوجود سر خفي في تلك المقدرة الهائلة على جمع المعلومات واختزانها وإعادة استخدامها واستثمارها في الوقت المناسب. لقد سخر هيكل من الضباط الذي قلبوا بيته الريفي، وقت اعتقاله الأخير، بحثا عن أوراقه السياسية، مؤكدا لهم أن الرئيس ذاته يعلم أنه (أي هيكل) لا يحتفظ بشيء من أوراقه في بيته، وأنه يبعث بها أولا بأول إلى خارج البلاد. وهكذا كان الأرشيف بالنسبة إلى هيكل، بالإضافة إلى كونه مصدر قوة، تأمينا على الحياة، وضمانا ضد أي شكل من أشكال الاضطهاد؛ فهو يحمل معه أسرار الجميع، بالوثائق، ويوم يمسه سوء ستعلن هذه الأسرار وتفضح كل شيء، ومن هنا كان الحرص على أن تظل خارج البلاد. ولكن يظل السؤال قائما: هل يستطيع فرد واحد، مهما كان ذكاؤه وتشعب قدراته، أن يجمع كل هذه المعلومات، ويرتبها بهذه الدقة، ويبعث بها أولا بأول إلى الخارج؟ لست أدري، ولكنني كلما أمعنت الفكر في هذه الظاهرة، بدا لي أنها أعقد وأوسع نطاقا من إمكانات أي فرد، بل من إمكانات أي جهاز في دولة متخلفة، وخيل إلي أننا نجد أنفسنا هنا على مستوى، يكاد يصل إلى مستوى أجهزة المخابرات في الدول الكبرى.
وهكذا فإن هيكل عندما وجد نفسه معتقلا، وحين تبين له أن السادات تجاوز الحدود وتحدى قدراته، سلط عليه أرشيفه الجبار، وحقق لنفسه انتقامه الشخصي من حاكم كان بيته بالفعل من الزجاج، وكان متهورا ويائسا عندما اختار هيكل بالذات ليكون واحدا ممن يرميهم بالحجارة.
على أن الأمر الملفت للنظر، والذي تتجلى فيه سخرية الأقدار بحق، هو أن «سلاح الأرشيف»، مثلما أنه مصدر قوة هيكل، هو أيضا مكمن الضعف فيه؛ ذلك لأن من يستخدم هذا السلاح يستطيع بأكثر الإمكانات تواضعا ، أن يصيب هيكل في مقتل . ويكفي أن يرجع بانتظام إلى قائمة كتاباته في أواخر الأربعينيات، ثم في مختلف مراحل الخمسينيات والستينيات، وأخيرا في أوائل السبعينيات، ويكفي أن يقارن هذه الكتابات بعضها ببعض، أو بما يظهر منها في المرحلة الراهنة؛ لكي يجد لديه مادة هائلة تستخدم ضد هيكل بسهولة تامة. وحسبنا أن نضرب لذلك مثلا واحدا مما نشر في الصحف المصرية أخيرا. فها هو ذا كاتب يتجاسر فيقول: «إن تاريخ الأستاذ محمد حسنين هيكل صفحة سوداء في تاريخ مصر، لقد اتهمه الرئيس محمد نجيب بالخيانة لحساب دولة أجنبية، وكتب ذلك في كتابه «كلمتي للتاريخ»، كما اتهمه مايلز كوبلاند في كتابه «بغير عباءة أو خنجر» بأنه كان عميلا مخلصا، كما اتهمه خروشوف بنفس التهمة، وذكر له قيمة المبالغ والشيكات التي تسلمها من وكالة المخابرات المركزية، وكان ذلك عندما سافر سيده (يقصد عبد الناصر) إلى روسيا، واصطحبه معه في هذه السفرة، فلما واجه نيكيتا خروشوف بهذه الفضيحة المرة، اضطر أن يسافر في اليوم التالي عائدا إلى مصر.»
2
هنا نجد «سلاح الأرشيف» يستخدم ضد أبرع من أتقنوا استخدامه، وإذا كنا لا نملك الحكم على مدى صحة الوقائع الواردة في هذا الكلام، فإن الاتهامات التي تحدث عنها الكاتب، قد وجهت بالفعل إلى هيكل، على أيدي نجيب وكوبلاند وخروشوف، وكل ما فعله الكاتب هو أنه رجع إلى الوراء قليلا، مقلبا صفحات الجرائد في السنوات الماضية. وما هذا إلا مثل واحد يكشف عن الوجه الآخر لسلاح الأرشيف، عندما يسدد إلى عنق صاحبه.
الفصل الثاني
من الذي يشتم مصر؟
أثار كتاب هيكل، أو على الأصح الجزء الضئيل الذي نشر منه في مصر، عاصفة عاتية من ردود الفعل، وفي رأيي أن دراسة ردود الفعل هذه، باتجاهاتها المختلفة وتشعباتها الكثيرة، تزودنا بذخيرة هائلة نستطيع من خلال تحليلها المتعمق، أن نفهم الكثير عن طبيعة التشويه الفكري الذي أصبحت بلادنا تعانيه، وعن شكل التضليل الإعلامي الذي يسلط على عقولنا ليل نهار، ففي ردود الفعل هذه تتحدد مواقف كثيرة، وتنكشف وتظهر حقيقة الأفكار التي ظلت كامنة، مستترة، مغلفة بشتى أنواع الأقنعة الخداعة، ومن خلال ردود الفعل هذه يتضح اتجاه المصالح الحقيقية في مصر؛ إذ كان معظم المدافعين عن السادات من المنتفعين منه، أو من أصحاب المصالح التي ازدهرت في عهده، وإن لم يمنع ذلك من وجود بعض المتأثرين بطوفان الإعلام، ومن خلالها ينكشف تهافت وتناقض الشخصيات، التي كان لها دور مصيري في تاريخ مصر، ودور أساسي في تشكيل عقلها، وهو حكم لا أستثني منه هيكل نفسه. ومن خلالها تظهر للعيان جريمة الحكم الفردي التي لا تغتفر، إذ يتبين لنا بوضوح مدى التزييف الذي طرأ على الوعي السياسي المصري، متمثلا في عدد غير قليل من كبار مثقفيه، بعد ثلاثين عاما من حكم يفترض أنه ثورة تستهدف، على وجه التحديد، تحرير الوعي من أوهامه.
وأخيرا، فمن خلال ردود الفعل نستطيع أن ندرك إن كان عهد السادات قد انتهى حقا، أم أن آثاره ما زالت تدب فيها الحياة بكل عدوانية وتحفز.
Bilinmeyen sayfa