Yeniler ve Eski Olanlar: İncelemeler, Eleştiriler ve Tartışmalar
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Türler
بين كلامي وكلام نعيمة فرق واضح. إن الأستاذ نعيمة تحدث عن «فضائح»، وأنا لم أتحدث إلا عن حب طاهر، أين منه الحب العذري؟ قد رأى جميل بثينة، والمجنون ليلى، أما مي فوا لهف قلبي عليها، إن نعيمة يروي حديثا يعجز عن إثباته بالوثائق التي هي مقطع الحق الأول، أما أنا فسأريك - أمهلني قليلا - ما يزيل كل شك يخامرك ولا يمس مي وجبران بضر، إن حبهما كحب أبي وأمي، وأبيك وأمك يا صديقي «ب. ع»، أما ما ذكره الأستاذ ميخائيل - ولا أستبعد وقوعه؛ إذ ليس جبران أعظم من داود - ففيه جموح وتعد يؤاخذ عليه من قال فيه نابغتنا الدكتور فيليب حتى: إن ملايين الدولارات التي كسبناها في هجرتنا لا تساوي جبران خليل جبران.
ليست «ميشلين» شخصا وهميا في حياة جبران، فهناك صورة لها بريشة جبران محفوظة في متحفه، وأذكر أن تاريخها سنة 1908 إن ميشيلين شخص من لحم ودم مر في طريق جبران، ولكنه أصبح - كما أظن - تحت قلم الأستاذ نعيمة شخصا روائيا.
فكتاب نعيمة في جبران وإن كان ذا قيمة فنية رفيعة، فهو كروايات ديماس يختلط فيها حابل التاريخ بنابله، أخرجه الأديب الكبير بشكل رواية بدأها بوع وع، وختمها بغر غر، أي من المهد إلى اللحد، وهدف نعيمة في كتابه إعلامنا أن جبران بشر مثلنا - آمنا وصدقنا.
وما رأيت نعيمة يملك وثيقة تؤيد ما زعم، ولا هو شاهد عيان، بل لا يملك آخر مقطع من مقاطع الحق وهو «التواتر»، فأكثر الذين خالطوا جبران ولابسوه ردوا على نعيمة بعنف وقسوة.
خاف نعيمة كما ظهر من مقدمة كتابه، أن يصير صديقه جبران أسطورة أو نبيا، فأرانا أن جبران إنسان لا غير، وإلا فما هذه الحكايات عن فلانة وفلانة، والأوروبيون يذكرون المرأة التي أحبها الأديب ليبينوا أثرها في فنه وأدبه، ولم نر شيئا من هذا في كتاب نعيمة، فميشيلين وفلانة أشباح لا علاقة لها قط في الأدب الجبراني، وقد يكون لهن علاقة ولكن شيئا من هذا لم يذكر، فكأن الغاية القصوى من سرد الحوادث بيان أن جبران أحب حبا خسيسا وإعلان أن جبران «نبأ كاذب».
يقول ذلك نعيمة في (ص179) ويروي أن جبران قال ذلك عن نفسه، أراد أن يعترف لصديقه في البرية، ولكن تواضع ميخائيل حال دون سماع ذلك الاعتراف القاسي «هالني أن يمضي في اعترافه أمامي فيجلد نفسه العاتية المتمردة أمام عيني، وينزع عنها دروعها العديدة، ويتركها عريانة وبلا سلاح، ومن ثم فمن أنا لأتقبل اعتراف نفس وإن تكن أختا لنفسي؟! وقد تكون نفسي أحوج إلى الاعتراف منها» ص190.
ليته سمع ذلك الاعتراف وحل جبران من خطاياه بعد التثبت من توبته وندامته، وجاءنا بالتفاصيل ولم يتركنا فيما تركنا من حيرة، فأنا أجل الأستاذ ميخائيل وأحترم أخلاقه النبيلة، وأصدقه إذا قال سمعت بأذني، وبعد فهذا الاعتراف يذكرني باعتراف دوستويفسكي لتورغنيف، ولكن نعيمة كان أرحب صدرا.
لقد وفق الأستاذ نعيمة كل التوفيق في إخراج قصة جبران، فهي خير ما كتب، وخير ما أذاع وما أذيع له، شاء الدكتور طه حسين والأستاذ توفيق الحكيم أن يكونا بطلي قصة، فكتبا في سالنش قصة «القصر المسحور»، ولكنهما قصرا جدا عن الأستاذ نعيمة في كتابه جبران خليل جبران، الذي هو ابن عم المثل السائر لحا، فكثيرا ما يلتقي نعيمة بابن الأثير فيدعي أبو الفتح ويتواضع ميخائيل والمطلوب واحد.
ولنعد الآن إلى حب مي المسكينة، فقد كان له أعظم أثر في توجيه حياتها ، فختمت تلك المأساة، كما علمنا وعلمت أيها القارئ العزيز، فمي بين المحبين كداود بين التائبين، توبة داود متقدة صارمة ومحبة مي مؤلمة عارمة، وفي كلتيهما لذة كالقشعريرة التي تأخذنا عند فجر أيلول في الخيمة، وإذا صح ما زعم علماء النفس في تولد الهوى كان الجاني على مي خيالها القوي.
يعلمنا مبحث اللاشعور أن ميول الناس واعتقاداتهم تتبدل، من حيث لا يدرون، إذا خابت آمالهم وكبت خيول أمانيهم في ميادين الحب، والخبر عن مي كما روى أدباء مصر الذين خالطوها بعد محنتها وقبل أن يلفها الغسق، أن عاطفتها الدينية نمت وتضخمت في طورها الأخير، إن طور اليأس والغم والقنوط - ومنبعه الكبت - يوجه الضعاف إلى هذا الملجأ المنيع، فكل عمود من أعمدة قصر العواطف الدينية يرتكز على قمة هرم قطعت حجارته من مقلع ميول وأهواء مكبوتة.
Bilinmeyen sayfa