... ومن محاسنها، بل من أجل محاسن الدهر: التفرقة السلطانية، وهي الحنطة الواصلة من أوقاف مصر المحروسة، فإنها تجمع في الوكالة السلطانية، وتجتمع لها الكتبة مع القاضي، وشيخ الحرم النبوي، وتفرق على أكثر أهل المدينة، والمجاورين، وغيرهم بمقتضى الدفاتر، وكانت تفرق قبل هذه السنين على رأس كل شهر، لكل شخص حصته، ومقدارها ثلاثة أمداد، وهي مقدار القوت الكافي للإنسان في الشهر، ثم آل الأمر إلى أن صار يكتب للرجل الواحد المتفرد نحو ستين حصة بالوجاهة، وغيرها، ومن ولد له مولود من ضعفاء المدينة لا سبيل إلى كتابة اسمه، ولا إلى إثبات رسمه، وبموجب هذه الحركة تطايرت هاتيك البركة.
... وكان يقال:
فلا يطلبن من عند يوم وليلة ... خلاف الذي مرت به السنوات
... وها نحن نطلب ما مرت به تلك السنون، فنجده منظوما في سلك ما لا يكون، وكانت جملة الأسماء، أولا تناهز ستة آلاف فتجاوزت -وإن خلا أكثرها من المسميات - عشرين ألفا، والله يضاعف لمن يشاء، وساعد ذلك عدم وصول الحبوب من مصر المحروسة بحيث كانت التفرقة في جميع سنة سبع أربعين وألف نصف حصة، وانقطع الخير. ولله در القائل:
نحن قسمنا الرزق بين الورى ... فأدب النفس ولا تعترض
وسلم الأمر لأحكامنا ... ... فكل عبد رزقه قد فرض
ص 124
... مناهل المدينة:
... ومن محاسن المدينة: منهل السوق، وهو المقابل للمدرسة الزمنية في الرحبة عند باب السلام، فإنه يستقي منه أكثر أهل المدينة السنية، والذي ساقها إلى ذلك الموضع الحسين بن أبي الهيجاء في حدود الستين وخمسمائة، وجعل لها درجا متسعا، وقيل: أسامة من أمراء الشام، لعله جددها، وتعرف بالعين الزرقاء، لأن مروان الأزرق ابن الحكم هو الذي أجراها، وهو وال على المدينة المنورة.
من ص 124-125
أصل العين الزرقاء:
Sayfa 78