174

قال أبو قلابة - وهو أحد رجال سند هذا الحديث -: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويغنيهم. وقد جاء في الحديث الصحيح في تعداد ما يثاب عليه المرء مع حسن النية:

" حتى ما تجعله في في امرأتك ".

والانفاق على النفس مطلوب من المسلم للتقوى على طاعة الله وكفها عن المحارم، فلا ريب أنه مما يثاب عليه مع هذه النية الحسنة، وأما إكرام الضيف فهو من الواجبات المالية الاجتماعية، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه "

، وإذا لابسه الرياء وحب السمعة أحبطا ثوابه، ومثلهما معه كمثلهما مع سائر الواجبات، ولا ينقص ذلك في قيمة الواجب ولا يقلل من أجره مع إخلاص النية في أدائه.

وأنت إذا تدبرت ما شرعه الاسلام من النفقات الخاصة والعامة المنظمة وغير المنظمة، أدركت أن الآية شاملة لها جميعا، سواء المفروض منها والمندوب، فالخاص منها ما وجب لأناس مخصوصين كالعيال. والعام ما كان لعامة المحتاجين، وفي سائر السبل الخيرية، والمنظم منها الزكاة التي خصصها الله لأصناف مخصوصين من الناس في أصناف مخصوصة من المال، مع بلوغه مقادير معينة، وبنسب معينة.

وغير المنظم سائر النفقات الواجبة التي لا تقدر إلا بقدر الحاجة، وهي أيضا تدخل في ضمن المفروض مع عدم سداد العوز بدونها، كما يدل على ذلك قول الله تعالى في بيان أعمال البر: { وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة } ، حيث ذكر الزكاة من بعد ذكر إيتاء المال لذوي القربى إلى آخره معطوفة عليه، ومن شأن العطف التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه، وفي هذا ما يكفي دليلا على أن الحقوق المالية المذكورة في الآية قبل الزكاة خارجة عنها، وهو الذي يدل عليه حديث فاطمة بنت قيس عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" إن في المال حقا سوى الزكاة "

وهو وإن أعل بأبي حمزة ميمون الأعور القصاب، فإن له ما يعضده عند ابن ماجة، كما أن صريح الآية واضح في الدلالة على هذا المعنى، وفي هذا المقام مباحث أرى إرجاءها إلى أن أصل إن شاء الله بعونه سبحانه وتوفيقه إلى تفسير آية البر من هذه السورة.

الإنفاق في سبيل الله يعالج الشح والأثرة:

Bilinmeyen sayfa