فهزت رأسها بالنفي وهي شارعة في خلع ثيابها، فقال مداعبا يأسه: صحتك.
فنظرت نحوه باهتمام، فرفع كأسا متخيلة في الهواء، ثم رشف رشفة، فابتسمت وواصلت خلع ثيابها في رسوخ المحترفات، حتى تبدى جسدها عاريا جميلا محايدا، ونظرت نحوه كأنما تحثه على الاقتداء بها، فأذعن لدعائها الصامت، وهو ينادي بإصرار حماسه الهارب. •••
وغادرت الحجرة فأشعل سيجارة، تابع الدخان بفتور وأسى، عاد يفكر بالقضية، وبالنقاط التي عن له أن يناقشها مع المحامي. لو وجد تليفونا لانتحل عذرا للرجل، واتفق معه على موعد آخر، ولا فائدة ترجى من الذهاب الآن لأنه سيجده منشغلا بموعد آخر، أو يجده قد غادر المكتب. وقد عاش زهرة عمره، ولا أمل له إلا كسب القضية، ولكن الله وحده يعلم ما عانت أعصابه طيلة تلك الفترة الغالية من العمر. - لا تلجأ إلى المحاكم، المحاكم حبالها طويلة. وهيهات أن تظفر في ساحتها بحاجتك. - وما عسى أن أفعل؟ - كما كان يفعل أجدادك، بل كما يفعل خصومك. - ولكن الزمن تغير. - الزمن لا يتغير، أنت الذي تغيرت. - إني رجل متعلم. - عليه العوض!
اليوم لا يدري إن كان أصاب أم أخطأ، ولكنه وقع في أسر القضية، فوكل المحامي، وتبارى المحامون، وتكلم الشهود، ولم يعد في الإمكان تغيير الخطة، وها هو عار ملقى على فراش عار على حين ينتظر المحامي ويتعجب! ولكن ألم تغب الفتاة في الحمام أكثر مما يجب؟ أي مظهر خداع، وأي آمال قد تبددت، يبدو أن الدنيا تتغير بأسرع مما يدرك، وقد ينزلق في هاوية مخيفة بسبب رغبته الملحة في الزواج والاستقرار، وفضلا عن ذلك فعليه أن يؤجل مشروع الزواج، حتى يتم الفصل في القضية، وإلا فما جدوى أن يتزوج اليوم ثم يشهر إفلاسه غدا؟! - هل تلجأ للقضاء لأنك متعلم حقا أو لأنك ضعيف؟ - إنك تتكلم يا عمي بلغة هيروغليفية. - ابصق على ذقني إن نجحت في ذلك السبيل مقاصدك. - نحن نتفاهم بلغة حية جديدة.
لا بد للحق أن ينتصر ولو طال الزمن، ولكن ما بال المرأة قد تأخرت؟ ماذا تفعل في الحمام؟ وبرم بالانتظار فغادر الفراش، فتح الباب نصف فتحة، أخرج رأسه فرأى الصالة غارقة في الظلام إلا شعاعا يترامى من منعطف جانبي، خمن أنه الحمام، تنحنح فلم يرد أحد، صفق فلم يرد أحد، سار على أطراف أصابعه نحو الضوء حتى وجد نفسه في الحمام ولكنه وجده خاليا. أدرك أنها اغتسلت ثم ذهبت إلى مكان ما - لعله المطبخ - فقرر أن يأخذ دشا، وتحت سيال الماء المتدفق انتعشت روحه وخف شعوره بالذنب حيال المحامي. أجل سيرميه بالإهمال؛ فهذا دأبه كلما قعد به عن الاتصال به عذر، ومع ذلك فعندما واظب على ملاحقته في الشهر الماضي ضاق به وقال له: يلزمك أعصاب من حديد لكي تواجه حياة العصر.
وقال له أيضا مازحا: إني أتوقع أن تجيئني المرة القادمة حافي القدمين، مرسل شعر اللحية والرأس، مسطولا كما يفعل شباب العالم الحر!
والمسألة في حقيقتها أن القضية هي حياته أما بالنسبة للمحامي فهي النشاط رقم كذا في جدول أعماله الحافل بأمور لا نهائية وهو - المحامي - رغم رسوخه في العلم، وقدرته الفائقة على الإنجاز، ورغم عطفه الشديد عليه، فإنه لا يكن له احتراما كافيا، وفي ساعة صفاء وهما يتناولان الغداء معا قال له: لولا اندفاعك الجنوني لما كان للقضية وجود أصلا.
فقال له بإصرار: إنها مسألة كرامة ... - ولكن حتى الاندفاع الجنوني يجب أن يقوم على أساس من العقل! - الحقيقة أنك لا تفهمني. - حقا! أأنت لغز؟ - إني أحترم أمورا تعتبرها أنت بكل بساطة خرافات وأباطيل. - لقد تأخرت يوما عن موعد هام لتشهد صلاة العيد فما معنى ذلك؟ - قصصت عليك عشرات القصص، ولكنك لا تصدق. - حقا؟ ... فماذا يعني جريك وراء النسوان وتقلبك في الحانات؟
عند ذاك قال بانفعال: أأنت محام أم مرب؟!
وغادر الحمام عائدا إلى الحجرة وهو يضمر لها - المرأة - عتابا على طول اختفائها، ولكنها لم تكن قد رجعت بعد، وذرع الحجرة ذهابا وجيئة ثم قرر أن يرتدي ملابسه. اتجه نحو المشجب ولكنه لم يجد لملابسه أثرا. ذهل، أجال بصره في أنحاء الغرفة ولكنه لم يعثر على شيء. أية مداعبة سخيفة. - رباه!
Bilinmeyen sayfa