40

Camiu Li Ahkam'il-Kur'an

الجامع لاحكام القرآن

Araştırmacı

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

Yayıncı

دار الكتب المصرية

Baskı Numarası

الثانية

Yayın Yılı

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

Yayın Yeri

القاهرة

الْبَاطِنِيَّةُ فِي الْمَقَاصِدِ الْفَاسِدَةِ لِتَغْرِيرِ النَّاسِ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى مَذَاهِبِهِمُ الْبَاطِلَةِ، فَيُنَزِّلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِ رَأْيِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ عَلَى أُمُورٍ يَعْلَمُونَ قَطْعًا أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ. فَهَذِهِ الْفُنُونُ أَحَدُ وَجْهَيِ الْمَنْعِ مِنَ التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَتَسَارَعَ إِلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِظْهَارٍ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَرَائِبِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمُبْدَّلَةِ «١»، وَمَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَالْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَمَنْ لَمْ يُحْكِمْ ظَاهِرَ التَّفْسِيرِ وَبَادَرَ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي بِمُجَرَّدِ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ كَثُرَ غَلَطُهُ، وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِالرَّأْيِ، والنقل والسماع لا بدله مِنْهُ فِي ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ أَوَّلًا لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ الْفَهْمُ وَالِاسْتِنْبَاطُ. وَالْغَرَائِبُ الَّتِي لَا تُفْهَمُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ كثيرة، ولا مطمع في الوصل إِلَى الْبَاطِنِ قَبْلَ إِحْكَامِ الظَّاهِرِ، أَلَّا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها" «٢» مَعْنَاهُ آيَةً مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِقَتْلِهَا، فَالنَّاظِرُ إِلَى ظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ يَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ان الناقة كانت مبصرة، ولا يدري بماذا ظَلَمُوا، وَأَنَّهُمْ ظَلَمُوا غَيْرَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ، فَهَذَا مِنَ الْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ، وَأَمْثَالُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَتَطَرَّقُ النَّهْيُ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:" وَكَانَ جِلَّةٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا يُعَظِّمُونَ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَيَتَوَقَّفُونَ عَنْهُ تَوَرُّعًا وَاحْتِيَاطًا لِأَنْفُسِهِمْ مَعَ إِدْرَاكِهِمْ وَتَقَدُّمِهِمْ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: وَقَدْ كَانَ الْأَئِمَّةُ مِنَ السَّلَفِ الْمَاضِي يَتَوَرَّعُونَ عَنْ تَفْسِيرِ الْمُشْكِلِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَبَعْضٌ يُقَدِّرُ أَنَّ الَّذِي يُفَسِّرُهُ لَا يُوَافِقُ مُرَادَ اللَّهِ ﷿ فَيُحْجِمُ عَنِ الْقَوْلِ. وَبَعْضٌ يُشْفِقُ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ فِي التَّفْسِيرِ إِمَامًا يُبْنَى عَلَى مَذْهَبِهِ وَيُقْتَفَى طَرِيقُهُ. فَلَعَلَّ مُتَأَخِّرًا أَنْ يُفَسِّرَ حَرْفًا بِرَأْيِهِ وَيُخْطِئَ فِيهِ وَيَقُولَ: إِمَامِي فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ﵁ عَنْ تَفْسِيرِ حَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي! وأين أذهب! كيف أَصْنَعُ! إِذَا قُلْتُ فِي حَرْفٍ مِنْ كِتَابِ الله بغير ما أراد ﵎.

(١). هكذا في كل النسخ التي بأيدينا. (٢). آية ٥٩ سورة الاسراء.

1 / 34