Camiu Li Ahkam'il-Kur'an
الجامع لاحكام القرآن
Araştırmacı
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
Yayıncı
دار الكتب المصرية
Baskı Numarası
الثانية
Yayın Yılı
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
Yayın Yeri
القاهرة
قُلْتُ: هَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ بِمَا سَنَحَ فِي وَهْمِهِ وَخَطَرَ عَلَى بَالِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ عَلَيْهِ بِالْأُصُولِ فَهُوَ مُخْطِئٌ، وَإِنَّ مَنِ اسْتَنْبَطَ مَعْنَاهُ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأُصُولِ الْمُحْكَمَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَعْنَاهَا فَهُوَ مَمْدُوحٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ التَّفْسِيرَ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" «١» وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى النَّقْلِ وَالْمَسْمُوعِ وَتَرْكَ الِاسْتِنْبَاطِ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَمْرًا آخَرَ. وَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَلَّا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى وُجُوهٍ، وَلَيْسَ كُلَّ مَا قَالُوهُ سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّ كَانَ التَّأْوِيلُ مَسْمُوعًا كَالتَّنْزِيلِ فَمَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ! وَهَذَا بَيِّنٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا النَّهْيُ يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّيْءِ رَأْيٌ، وَإِلَيْهِ مَيْلٌ مِنْ طَبْعِهِ وَهَوَاهُ، فَيَتَأَوَّلَ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِ رَأْيِهِ وَهَوَاهُ، لِيَحْتَجَّ عَلَى تَصْحِيحِ غَرَضِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ الرَّأْيُ وَالْهَوَى لَكَانَ لَا يَلُوحُ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَهَذَا النَّوْعُ يَكُونُ تَارَةً مَعَ الْعِلْمِ كَالَّذِي يَحْتَجُّ بِبَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى تَصْحِيحِ بِدَعَتِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يُلَبِّسَ عَلَى خَصْمِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مُحْتَمَلَةً فَيَمِيلُ فَهْمُهُ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوَافِقُ غَرَضَهُ، وَيُرَجِّحُ ذَلِكَ الْجَانِبَ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ، فَيَكُونُ قَدْ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ أَيْ رَأْيُهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ، وَلَوْلَا رَأْيُهُ لَمَا كَانَ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْوَجْهُ. وَتَارَةً يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيَطْلُبُ لَهُ دَلِيلًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ، كَمَنْ يَدْعُو إِلَى مُجَاهَدَةِ الْقَلْبِ الْقَاسِي فَيَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى " «٢» وَيُشِيرُ إِلَى قلبه، ويومئ الى انه المراد بفرعون، هذا الْجِنْسُ قَدْ يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ الْوُعَّاظِ فِي الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ وَتَرْغِيبًا لِلْمُسْتَمِعِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. وقد تستعمله
(١). آية ٥٩ سورة النساء. (٢). آية ٢٤ سورة طه.
1 / 33