والكعبة إذ ذاك مبنية بناء قريش: مدماك من ساج ومدماك من حجارة، فطارت الريح بشرارة من تلك النار فتعلقت بكسوة الكعبة فاحترقت واحترق الساج الذى بين البناء، فازداد تصدع البيت وضعفت جدرانه، وتصدع الحجر الأسود أيضا حتى ربطه ابن الزبير بعد ذلك بالفضة، ففزع لذلك أهل مكة، وأهل الشام، أعنى الحصين وجماعته (1).
وعن الفاكهى: أن سبب حريق البيت إنما كان من بعض أهل الشام أحرق على باب بنى جمح، وفى المسجد يومئذ خيام فمشى الحريق حتى أخذ فى البيت، فظن الفريقان أنهم هالكون (2).
قال الجد (رحمه الله): قلت: وهذا يخالف ما ذكر من أن السبب فى ذلك إنما هو من بعض أصحاب ابن الزبير، ولعل ما ذكره الفاكهى أصوب، على أنه يمكن الجمع بوقوع كل من ذلك (3): فيكون السبب مركبا. والله أعلم. انتهى معناه.
فائدة: أخرج الأزرقى عن محمد ابن الحنفية أنه قال: أول ما تكلم فى القدر حين احترقت الكعبة فقال رجل احترقت ثياب الكعبة وهذا من قدر الله. وقال آخر: ما قدر الله هذا (4).
ثم جاء نعى (5) يزيد بعد ذلك بتسعة وعشرين يوما والحصين مستمر على حصار ابن الزبير، فأرسل ابن الزبير إلى الحصين جماعة من قريش فكلموه وعظموا عليه ما أصاب الكعبة وقالوا له: إن هذا من رميكم لها، فأنكر ذلك ثم ولى راجعا إلى الشام فدعا ابن الزبير حينئذ وجوه الناس واستشارهم فى هدم الكعبة فأشار عليه القليل من الناس بذلك وأبى الكثير.
وكان أشدهم إباء عبد الله بن عباس، وقال دعها على ما أقرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإنى أخشى أن يأتى بعدك من يهدمها فلا تزال تهدم وتبنى فيتهاون الناس بحرمتها ولكن ارقعها، فقال ابن الزبير: والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أبيه وأمه، فكيف أرفع بيت الله، واستقر رأيه على هدمها رجاء أن يكون هو الذى يردها على قواعد الخليل صلوات الله
Sayfa 82