وفى بعض الروايات أن قريشا كانوا كلما أرادوا هدم البيت بدت لهم حية فاتحة فاها فبعث الله طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألقاها نحو أجياد، فهدمته قريش وبنوها بحجارة الوادى، ورفعوها ثمانية عشر ذراعا فى السماء، وقيل عشرين (1).
وحضر النبى (صلى الله عليه وسلم) هذا البناء مع قريش، وكان يحمل الحجارة، وسنه إذ ذاك خمس وثلاثون سنة، وهو الأشهر، وقيل: خمس وعشرون، وهو مشهور (2)، وعن الفاكهى كان قد ناهز الحلم، وفى «تاريخ الأزرقى» ما يؤيده، وهو ضعيف جدا فلا يعتبر بمخالفته القولين الأولين.
فبينما هو يحملها وعليه نمرة قد ضاقت فذهب بعضها على عاتقه فبدت عورته فنودى:
يا محمد، خمر (3) عورتك فلم ير بعدها عريانا، وكان بين ذلك وبين المبعث خمس سنين (4).
واختلفت قريش فيمن يضع الحجر الأسود حتى رضوا بأول داخل، فكان هو أول داخل (صلى الله عليه وسلم) فوضعه بيده الشريفة (5).
وأخرج الأزرقى فى رواية أن طول الكعبة كان سبعة وعشرين ذراعا، فاقتصرت قريش على ثمانية عشر ذراعا، ونقصوا من عرضها أذرعا أدخلوها فى الحجر.
أقول: بناء قريش ثابت على القول المشهور بعد بناء الخليل، وقد علمت فيما سبق أن الخليل (صلوات الله عليه) جعل طولها فى السماء تسعة أذرع كما تضافرت به الأقوال، وستقف على ذلك من كلام الأزرقى أيضا عند ذكر بناء ابن الزبير آنفا، فما نقله من أن طول الكعبة كان سبعة وعشرين ذراعا ... إلخ، فيه مناقضة لما سيأتى عنه، ولم يثبت من طريق صحيح أن أحدا بناها بعد الخليل، وجعل طولها سبعة وعشرين ذراعا، وما تقدم من بناء العمالقة وجرهم وقصى بعد الخليل إنما هو مجرد خبر وهو يحتمل ولم يتأيد بدليل، وعلى تقدير الصحة فلم يذكر أحد مقدار ارتفاع بنائهم مطلقا. على أن الأزرقى نفسه ذكر
Sayfa 80