وكيف هم شهود للقصة، حضور للتنزيل، وإنما هو في مغنم أو فداء أو عفو أو قتل أو أسر أو قبض أو صدقة أو صلاة أو صيام أو نسك أو تحريم ربا أو زنا أو خمر أو خنزير أو قصاص في حد أو ميراث، وفيهم ينزل وإليهم يرجع، ولقد حفظوا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكامه وأحاديثه، وأخلاقه وسيره ودلالاته، قبل مبعثه أضعاف ما بين دفتي المصحف، يعلم ذلك جميع الفقهاء، ويخبرك ذلك جميع العلماء، والعرب مخصصون بشدة الحفظ وحسن البيان، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون الوحي، لا يدفع ذلك صاحب خبر ولا حامل أثر، وكان منهم ابن أبي سرح، وزيد ابن ثابت، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بنت أبي سفيان، فإن لم يكن القرآن مجموعا مكتوبا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي شيء كان يكتب هؤلاء؟ وكيف يجوز على القوم الذي ذكرنا أحوالهم أن يتركوا جمع القرآن، والوقوف على تأليفه ومقدمه ومؤخره، وهو إنما أنزل عليهم وفيهم على ما تقدم في شرح العالم الذي ذكرنا في صدر هذا أهل الفضل، ومما يدل على حفظهم لما استحفظوا له، وقيامهم بما استكفوا إياه، إنهم كانوا علماء لنظم السور وتأليف الآي، لا يحرفون الحكاية، ولا يقصرون في التأدية، إن أول ما نزل القرآن بمكة { ?إقرأ باسم ربك الذي خلق } . فأول ما نزل بالمدينة سورة (البقرة)، وآخر ما نزل سورة (براءة). فلو كانوا إنما ألفوا السور على تقدير رأيهم لقدموا (¬1) في المصحف المقدم وأخروا المؤخر، ففي تقديمهم سورة البقرة وفي تأخيرهم سورة براءة دليل على إنهم اتبعوا ولم يبتدعوا، وحكموا ولم يتخرصوا، ولن يخفى على ذي لب إنهم لم يكونوا ليتركوا على وضع السور ما عاينوا، وشاهدوا الأمر على ما ذكرنا صفته على ما حكينا، ولقد وعوه وأحصوه حتى عرفوا من جمعه من الأنصار، وكم حفظه (¬2)
¬__________
(¬1) في ( أ): لقدموا.
(¬2) من (ج)..
Sayfa 37