قال الله جل ثناؤه: { ?يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا } . (¬1) فكان أمر الله المؤمنين بالقيام بالقسط أمرا عاما لهم أجمعين، والقسط الذي أمرهم بالقيام به لا ينفك من أحد أمرين: إما أن يكون قسطا معلوما بعينه فتكون الإشارة دالة عليه دون غيره، أو لا تكون الإشارة وقعت على قسط معلوم بعينه فتكون دالة على ما وقع عليه اسم قسط. فلما كانت الإشارة بالألف واللام دالة على التعريف ولم يكن معنا (¬2) دليل على قسط بعينه معروف، صح أن هذه إشارة إلى الجنس، فوجب علينا القيام بكل ما وقع عليه اسم قسط. وأما قوله عز وجل: { ?إن الله يأمر بالعدل والإحسان } (¬3) إلى آخر الآية. فلما لم تقم الدلالة (¬4) على عدل بعينه وجب القيام بالعدل كله، وأما قوله: { ?ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل } (¬5) إلى آخر الآية، وأخبر أن هذا العدل لا يستطاع بين النساء فعله، فقد صح أن هذا هو الفعل (نسختين) العدل الذي يؤدي إليه الاجتهاد من ترك التفضيل بينهن؛ لأن من لم يمل كل الميل كما قال الله عز وجل، ولئن فضلنا بعضهم وإن لم يفضل بعضا على بعض فهو عادل في الحكم، لأنه لم يتعد أمر الله، والله أعلم.
¬__________
(¬1) النساء: 135.
(¬2) في (ج) معنى.
(¬3) النحل: 90.
(¬4) في (أ) الآية.
(¬5) النساء: 129.
Sayfa 107