Yeterli İyi Arkadaş ve Yararlı Danışman
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي
Araştırmacı
عبد الكريم سامي الجندي
Yayıncı
دار الكتب العلمية
Baskı Numarası
الأولى ١٤٢٦ هـ
Yayın Yılı
٢٠٠٥ م
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
وَلَيْسَ بمنكر أَن يكون الشَّيء يُدْوِي شَيْئا وَيُدَاوِي غَيره، وَينْتَفع بِهِ فِي بَعْض ويستضر فِي بَعْض.
وَهَذَا أفشى وَأكْثر وَأبين وَأظْهر من أَنْ نحتاج إِلَى الإطناب فِي شَرحه وَضرب الْأَمْثَال لَهُ، وَقد حُكيَ ممّا يدْخل فِي هَذَا الْبَاب أنَّ بَعْض المترفين أسَفّ إِلَى طَريقَة المتصوفة، واستشرف لصحبتهم والاختلاط بهم وملابستهم، فَشَاور فِي هَذَا بَعْض مشيختهم فردّه عَمَّا تشوف إِلَيْهِ من هَذَا وحذّره من التَّعَرُّض لَهُ. فَأَبت نَفسه إِلَّا إِجَابَة مَا جذبته الدَّوَاعِي إِلَيْهِ وعطفته الخواطر عَلَيْهِ، فَمَال إِلَى فريق من هَذِهِ الطَّائِفَة فعلق بهم واتصل بجلتهم، ثُمَّ صحب جمَاعَة مِنْهُم مُتَوَجها إِلَى الْحَج فعِجز فِي بَعْض الطَّرِيق عَنْ مسايرتهم وَقصر عَنِ اللحاق بهم فَمَضَوْا وتخلّف عَنْهُمْ، واستند إِلَى بَعْض الأميال إِرَادَة الاسْتِرَاحَة من الإعياء من الكلال، فَمر بِهِ الشَّيْخ الَّذِي شاوره فِيما حصل فِيهِ قَبْلَ أَن يتسنّمه فَنَهَاهُ عَنْهُ، وحذره مِنْهُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْخ مُخَاطبا لَهُ يَقُولُ:
إنَّ الَّذِينَ بخيرٍ كنتَ تذكرُهُمْ ... قَضَوا عَلَيْكَ وعنهم كنتُ أنهاكا
فَقَالَ لَهُ: فَمَا أصنع الْآن؟ فَقَالَ لَهُ:
لَا تَطْلُبَنَّ حَيَاة عِنْدَ غيرهمُ ... فَلَيْسَ يُحييك إِلَّا مَنْ توفاكا
واستقصاء هَذَا الْبَاب وَمَا يضاهيه ويتشعب مِنْهُ يطول، وَلَا يَلِيق بِهَذَا الْمجْلس الزِّيَادَة عَلَيْهِ، وَقد يتَّجه فِي التصغير أَن يكون أَتَى بِهِ تَنْبِيها عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَأْتِي صَغِيرا ثُمَّ ينمى فَيصير كبيرًان أَوْ أَن يضامّه غَيره فَيصير قَلِيله كثيرا، كَمَا قيل:
ربّ كَبِير هاجه صغيرُ
وكما قيل:
وَلَا تَحْقِرَنَّ سُبَيْبًا ... كم جَرَّ أمرا سُبيب
وَقيل: رُبَّ محنةٍ حدثت عَنْ لَحْظَة، وَرب حَرْب جنُيت من لَفْظَة.
وَقد قَالُوا: الْقَلِيل إِلَى الْقَلِيل كثير، والذود غل الذود إبل وَقد يمْلَأ القطرُ الإنَاء فيُفْعَمُ وَالشَّر تَحْقِره وَقد يَنْمى، وَقد يُفْني الجزءُ بَعْدَ الْجُزْء الْجُملةَ، وَالشَّيْء يتبع بعضه بَعْضًا، وَقد يُؤَدِّي انْقِطَاع الحبَّة من السلك إِلَى انْقِطَاع سَائِر مَا فِيهِ، وَنزع الْحجر من سور أَوْ جِدَار يُؤَدِّي إِلَى تهافت بَاقِيه، وَقد قَالُوا: الْعَصَا من الْعُصَيَّة، وَفَسرهُ بَعضهم أنَّ الْفَرد ينْبت وينشأ لينًا صَغِيرا، ثُمَّ ينمى فيستطيل ويغلظ ويشتد ويصلب.
وَقيل: بل الْمَعْنى إِن الْعَصَا نتجت من أمهَا العصية، والعصا هِيَ الدَّابَّة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا قَصيرٌ عَلَى جَذِيمة بركوبها عِنْدَ ظُهُور عَلامَة ذكرهَا، إِذ كَانَتْ عَلَى حد من الْإِحْضَار والسرعة والإهذاب، والجودة تفضل بِهِ مَا هُوَ من جِنْسهَا، وَقد يكون الْكثير من الْقَلِيل، والْجُمَّارُ من الفَسيل والفَنِيق من الفصيل.
1 / 31