حتى ذلك الحين كانت روينا قد حافظت على دورها في هذا المشهد الذي يصعب احتماله بشجاعة ورباطة جأش؛ ولكن ذلك كان لأنها لم تكن تقدر أن الخطر جاد ومحدق إلى هذا الحد. وبعدما جالت بعينيها فيما حولها كما لو كانت تبحث عن العون الذي لم يكن موجودا في أي مكان، وبعد أن تمتمت ببضع كلمات تعجب متقطعة، رفعت يديها إلى السماء، وانفجرت في نوبة من الغضب والأسى الجامحين. كان من المستحيل أن يرى المرء كائنا بهذا الجمال في محنة كهذه دون أن يشفق عليها، ولم يكن دي براسي غير متأثر، لكنه كان مرتبكا أكثر منه متأثرا. كان حقا قد تمادى لدرجة لا يمكن معها التراجع، ولكنه لم يكن من الممكن التأثير على روينا في حالتها الحالية، سواء بالجدال أو الوعيد.
لم يستطع وهو مضطرب بسبب أفكاره سوى أن يطلب منها أن تهدأ، وأن يؤكد لها أنه لم يعد الآن ثمة سبب يجعلها تقنط بهذا الشكل المفرط الذي كانت عليه حينئذ، ولكن وسط مواساة دي براسي لها قاطعه صوت البوق الذي كان قد أفزع في الوقت نفسه كل نزلاء القلعة الآخرين، وقطع عليهم خططهم المختلفة.
الفصل العشرون
بينما كانت المشاهد التي وصفناها تجري في أجزاء أخرى من القلعة، كانت اليهودية ريبيكا تنتظر مصيرها في برج بعيد ومنفصل. وعندما زج بها إلى الزنزانة الصغيرة وجدت نفسها في حضرة عرافة عجوز، ظلت تتمتم لنفسها بلحن ساكسوني، كما لو كانت تضبط إيقاعا لرقصة بحركة دائرية يؤديها مغزلها على أرضية الزنزانة.
قال أحد حراس ريبيكا: «يجب أن تنهضي وتغادري، أيها الصرصورة العجوز؛ فسيدنا النبيل يأمر بذلك. يجب أن تتركي هذه الغرفة لضيفة أجمل.»
قالت العجوز الشمطاء مزمجرة: «نعم، هكذا تكافأ الخدمة. لقد شهدت الوقت الذي كانت فيه مجرد كلمة مني تطرح بأفضل الجنود بينكم من فوق سرجه وتقصيه من الخدمة. أما الآن، فيجب أن أنهض وأغادر بناء على أمر كل خادم مثلك.»
ريبيكا وأورفريد، بريشة أدولف لالوز.
قال الرجل الآخر: «أيتها السيدة الطيبة أورفريد، لا تتعاملي مع الأمر بعقلانية، ولكن انهضي وغادري. لقد كان لك يومك أيتها السيدة العجوز، ولكن شمسك قد غربت منذ وقت طويل.»
انسحب الرجلان تاركين ريبيكا في صحبة المرأة العجوز.
قالت العجوز الشمطاء: «من أي بلد أنت؟ أعربية، أم مصرية؟ لماذا لا تجيبين؟ إنك تستطيعين البكاء، أفلا تستطيعين الكلام؟»
Bilinmeyen sayfa