استمر الحراس يستحثون سيدريك، آخذين في السير بسرعة كبيرة، حتى لاحت، عند نهاية ممر من الأشجار الضخمة، توركويلستون؛ قلعة ريجينالد فرونت دي بوف. نفخ دي براسي في بوقه ثلاث مرات. وعندما رآهم الرماة والرجال المسلحون بالنشاب الذين كانوا قد اعتلوا الجدار يقتربون، أسرعوا إلى إنزال الجسر المتحرك والسماح لهم بالدخول. أجبر الحراس الأسرى على الترجل، وأفهموا أثيلستان وسيدريك أنهما سيسجنان في غرفة بعيدة عن روينا.
اقتادوا الليدي روينا، بلطف حقا ولكن دون استشارتها، إلى غرفة بعيدة. ومنحت ريبيكا أيضا تمييزا مقلقا مماثلا، على الرغم من توسلات أبيها الذي وصل به الأمر أن عرض عليهم المال، تحت وطأة هذا الكرب العظيم، من أجل أن يسمح لها بأن تقيم معه. أجابه أحد حراسه قائلا: «أيها الكافر الوضيع، عندما ترى مرقدك لن تتمنى أن تشاركك ابنتك إياه.»
ودون مزيد من النقاش، سيق اليهودي العجوز بالقوة في اتجاه مختلف عن بقية الأسرى، وزج به بسرعة داخل أحد أقبية القلعة الذي كانت أرضيته تنخفض كثيرا عن مستوى الأرض، وكان شديد الرطوبة لأن مستواه كان منخفضا عن مستوى الخندق المائي نفسه. كان الضوء الوحيد يأتي عبر كوة أو كوتين تعلوان كثيرا عن متناول يد الأسير. وفي أحد جوانب هذه الغرفة، كانت توجد مدفأة كبيرة، وكانت مبسوطا فوقها قضبان حديدية مستعرضة نصف متآكلة بالصدأ.
جلس إيزاك في أحد أركان قبوه وقد جمع ثوبه تحته ليقي أطرافه من الأرض الرطبة، وكان يمكن رؤية يديه المضمومتين، وشعره ولحيته الأشعثين، وعباءته المبطنة، وقبعته العالية، في الضوء المتقطع؛ ما كان من شأنه أن يمنح الرسام الشهير رامبرانت موضوعا للدراسة لو أنه كان قد عاصر تلك الفترة. ظل اليهودي على حاله، دون أن يغير وضعه، قرابة ثلاث ساعات، حتى سمع وقع خطوات على درج القبو، ثم أصدرت المزالج صوت صرير مرتفعا عندما سحبت، وأصدرت المفصلات صوت أنين عندما فتحت البوابة الصغيرة، ودخل ريجينالد فرونت دي بوف السجن يتبعه عبدا فارس الهيكل العربيان.
توقف على بعد ثلاث خطوات من الركن الذي كان يجلس فيه اليهودي التعس، حيث كان ، إن جاز القول، قد طوى نفسه في أصغر مساحة ممكنة، وأشار لأحد العبدين أن يقترب. تقدم التابع الأسود مستجيبا لإشارته، ووضع ميزانا كبيرا ذا كفتين عند قدمي فرونت دي بوف، ثم تراجع مرة أخرى، حيث كان رفيقه واقفا بلا حراك، إلى المسافة التي تظهر احترامه لسيده. افتتح فرونت دي بوف بنفسه المشهد بأن خاطب الأسير التعيس الحظ.
قال: «أيها الكلب اللعين المنحدر من جنس وضيع، أترى هذا الميزان؟»
رد اليهودي التعيس بالإيجاب بوهن. «بهذا الميزان ستزن لي ألف رطل من الفضة وفقا للكيل والميزان الدقيقين لبرج لندن.»
أجاب اليهودي، باحثا عن صوته في خضم الخطر العظيم الذي يحيط به، قائلا: «يا إبراهيم المقدس! هل سمع إنسان من قبل مثل هذا الطلب؟ من سمع من قبل، حتى في حكايات الشعراء المتجولين، عن مبلغ كألف رطل من الفضة؟ أي عينين بشريتين قد تباركت بالنظر إلى مثل هذا الكنز الكبير؟ لن تجد عشر هذا المبلغ الضخم من الفضة الذي تتحدث عنه داخل أسوار يورك، ولو فتشت منزلي ومنازل قومي كلهم.»
رد فرونت دي بوف: «إن مطلبي معقول، وإن كانت الفضة شحيحة فلن أرفض الذهب، على أن يكون مقدارا معلوما من الذهب معادلا لستة أرطال من الفضة؛ وبذلك يمكنك تحرير جسدك الكافر من عقاب لم يخطر ببالك قط.»
صرخ إيزاك: «ارحمني أيها الفارس النبيل! أنا رجل مسن وفقير، وبلا حول ولا قوة، ولا يليق بك أن تنتصر علي؛ فلا يليق بك أن تسحق دودة.»
Bilinmeyen sayfa