فصل ينبغي للإنسان أن يكون دائم الذكر للموت ليلا ونهارا لئلا يفجاءه قبل الاستعداد والتأهب له كما هي طريقة كثير من السلف.
والناس في ذكر الموت أقسام ثلاثة:
قسم لا يذكره أبدا.
وقسم يذكره رعبا وخشية.
وقسم يذكره عقلا وحكمة.
القسم الأول: أحمق وهو الذي لا يتذكر الموت ولا يجري له على خاطر كأنه قد ثبت في عقله أن لا موت.
فلا يحس هذه الحقيقة إلا عند المشاهدة، ولا يذكر الموت إلا ريثما تنقضي تلك المشاهدة كأن يشتد به المرض أو يختطف الموت أحد أهله أو جيرانه أو يحصل عليه حادث يقربه من الهلاك.
فهو لا يتفكر في الموت وما يعقبه إلا نظرا في حال ماله وأولاده عند موته، ولا ينظر ويتدبر في أحوال نفسه.
وعندما يرى جنازة يقول بلسانه: «إنا لله وإنا إليه راجعون» ولا يرجع إلى الله بأفعاله، بل يرجع بأقواله فقط، وهذا على خطر عظيم.
القسم الثاني: يذكره دائما لخشية وقوعه وخوف من نزوله فيتولاهم الرعب ويستولي عليهم الفزع.
وأكثر ما يذكرونه إذا خلوا من أشغالهم وانتقلوا إلى أوقات فراغهم فيكدر عليهم صفاء هناءتهم وأشد ما يكون كدرهم ونكدهم إذا أقبلت عليهم الدنيا وتتابعت عليهم النعم وازداوا من متاع الدنيا وزينتها، فتراهم في هم دائم وقلق وعناء مقيم للتوقي من الأخطار والتحرز من أسباب الهلاك ويتوهمون في كل لقمة تخمة وفي كل جرعة غصة وتجدهم مهتمين دائما بالفحص عن أبدانهم خوف الموت.
Sayfa 75