قال جار لمسعر بن كدام: بكى مسعر فبكت أمه، فقال لها مسعر: ما أبكاك يا أماه؟ فقالت: يا بني رأيتك تبكي فبكيت، فقال: يا أماه لمثل ما نهجم عليه غدا فلنطل البكاء، قالت: وما ذاك؟ فانتحب، فقال: القيامة وما فيها، قال: ثم غلبه البكاء، فقام.
وكان يقول: لولا أمي ما فارقت المسجد إلا لما لابد منه، وكان إذا دخل بكى، وإذا خرج بكى، وإن صلى بكى، إن جلس بكى.
ولما حضرته الوفاة دخل عليه سفيان الثوري فوجده جزعا، فقال له: تجزع فوالله لوددت أني مت الساعة.
فقال مسعر: أقعدوني فأعاد سفيان الكلام عليه، فقال: إنك لواثق بعملك يا سفيان.
لكني والله على شاهقة جبل لا أدري أين أهبط، فبكى سفيان، وقال: أنت أخوف لله مني.
قال بعضهم: من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة وعود نفسه أكل الحلال لم تخط له فراسة.
فصل في بعض ذكر فوائد الموت
اعلم أن في ذكر الموت فوائد عديدة من ذلك:
أولا: أنه يردع عن المعاصي ، ويلين القلب القاسي.
ثانيا: يذهب الفرح والسرور بالدنيا، ويزهد فيها، ويهون المصائب.
ثالثا: التأثر في مشاهدة المحتضرين الذي تخرج أرواحهم، فإن في النظر إليهم ومشاهدة سكراتهم عند نزع أرواحهم، وشخوص أبصارهم عند نزعها، وعجزهم عن الكلام، عند تسلل الروح من الجسد.
وتأمل صورهم بعد خروج الروح ما يقطع عن النفوس لذاتها ويطرد عن القلوب مسراتها ويمنع الجفون من النوم ويمنع الأبدان من الراحة، ويبعث على الجد والاجتهاد في العمل للآخرة.
Sayfa 65