قيل: إن حاتم الأصم قال لأولاده: إني أريد الحج، فبكوا، وقالوا: إلى من تكلنا، فقالت ابنته: لهم اسكتوا، دعوه فليس هو برزاق، هو الرزاق فباتوا جياعا وجعلوا يوبخون البنت، فقالت: اللهم لا تخجلني بينهم، فمر أمير البلد وطلب ماء فناوله أهل حاتم كوزا جديدا فيه ماء بارد فشرب، وقال: دار من هذه؟ فقالوا: دار حاتم الأصم فرمى فيها منطقة من ذهب، وقال لأصحابه: من أحبني فعل مثلي، فرمى من حوله كلهم مثله فجعلت بنت حاتم تبكي، فقالت لها أمها: ما يبكيك وقد وسع الله علينا، فقالت: مخلوق نظر إلينا فاستغنينا، أي فما ظنك بالخالق جل وعلا الذي سخر لنا هذا المخلوق فعطفه علينا.
قيل لبعض العلماء: كيف تركت الصبيان؟ فقال: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا} تقوى الله لنا ولهم.
قيل: إنه كان عبدالله بن المبارك يتجر في البحر، ويقول: لولا خمسة ما اتجرت: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والفضيل بن عياض، ومحمد بن السماك، وابن علية.
وكان يخرج فيتجر إلى خراسان فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج والباقي يصل به إخوانه الخمسة.
فقدم سنة، فقيل له: قد ولي ابن علية القضاء، فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة.
فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قد قدم فركب وتنكس على رأسه، فلم يرفع به عبدالله بن المبارك رأسا ولم يكلمه فانصرف.
فلما كان من الغد كتب إليه رقعة: «بسم الله الرحمن الرحيم، أسعدك الله بطاعته وتولاك بحفظه وحاطك بحياطته قد كنت منتظرا لبرك وصلتك أتبرك بها، وجئتك أمس فلم تكلمني ورأيتك واجدا علي فأي شيء رأيت مني حتى اعتذر إليك منه».
فلما وردت الرقعة على ابن المبارك دعا بالدواة والقرطاس ثم كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وكتب إليه أبياتا من الشعر:
«أين رواياتك في سردها ... عن ابن عون وابن سيرين
Sayfa 29