يخالفون فِي نقل تِلْكَ الرِّوَايَات أَيْضا لعدم الْإِسْنَاد اعْتِمَادًا على هَذِه الْكَلِمَات الشائعة بَينهم فَإِذا رَأَوْا أحدا يمِيل إِلَى تَرْجِيح قَول إِمَام بِالْحَدِيثِ وَالْكتاب يعدونه ضَالًّا مبتدعا فَانْظُر إِلَى أَمْثَال هَذِه الْحَوَادِث فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلَا أقل أَن يعرف الرجل أَن هَذِه الْكَلِمَات الشائعة هَل هِيَ أَقْوَال للمجتهدين من عُلَمَاء الدّين أَو هِيَ لبَعض المقلدين غير المعتمدين فَإِن كَانَت للمجتهدين فَلَا بُد أَن يعرف أَنَّهَا لمن وَنحن نجزم بِأَن أَمْثَال هَذِه الْكَلِمَات لَا يُمكن أَن تكون من الْعُقَلَاء فضلا عَن أهل الِاجْتِهَاد وَكَيف يسوغ لمُسلم أَن يتفوه بِكَلَام فِي دين الله تَعَالَى من غير أَن يقوم بِهِ حجَّة وبرهان من الله تَعَالَى وَإِن كَانَت للمقلدين فَكيف يجْتَمع الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا عِنْدهم مَعَ اعْتِقَاد أَن لَا عِبْرَة بفهم المقلدين أصلا فَانْتقضَ أحد الْأَمريْنِ بِالْآخرِ وأعجب من هَذَا أَن كثيرا مِنْهُم يتَوَقَّف على أَن الْعلمَاء مَذْهَبهم هَل جوزوا الْعَمَل بِالْحَدِيثِ أم لَا فنظن أَنه لَا يَصح الْعَمَل بِالسنةِ إِلَّا بقول عَالم بِهِ فَنَقُول إِن قَول الْعلمَاء يحْتَاج فِي ثُبُوته وَصِحَّته وَكَونه يصلح للْعَمَل بِهِ إِلَى الْكتاب وَالسّنة حَتَّى إِن مَا خَالف الْكتاب وَالسّنة وَلَا يوافقهما برد أَولا ترى كتب الْفُقَهَاء يَقُولُونَ فِي كل قَول وَحكم لقَوْل الله ﷿ أَو لقَوْل رَسُول الله ﷺ فَكيف يحْتَاج الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة إِلَى قَول الْعلمَاء وَهل هَذَا إِلَّا شبه الدّور الْمَمْنُوع وقلب للمعقول وَنقض لِلْأُصُولِ وَجعل الْفُرُوع أصلا وَالْأَصْل فرعا فَهَذَا الَّذِي ذكرنَا يُفِيد أَن جَوَاز الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لمن فَرضنَا لَهُ من أجل البديهيات وَمَعَ ذَلِك فَالرِّوَايَة والدراية سوى هَذَا الَّذِي ذكرنَا متوافقات على ذَلِك فَمن الرِّوَايَة مَا ذكر فِي الْهِدَايَة بقوله لِأَن قَول الرَّسُول ﷺ لَا ينزل عَن قَول الْمُفْتِي وَفِي الْكَافِي والْحميدِي أَي لَا يكون أدنى دَرَجَة من قَول الْمُفْتِي وَقَول الْمُفْتِي يصلح دَلِيلا شَرْعِيًّا أَي للعامي فَقَوْل الرَّسُول ﷺ أولى وَهَذَا الَّذِي ذكر فِي الْهِدَايَة أَنه مَذْهَب مُحَمَّد ذكر فِي مُحِيط السَّرخسِيّ وَغَيره أَنه قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد فَيلْزم مِنْهُ جَوَاز الْعَمَل للعامي بِالْحَدِيثِ عِنْدهمَا مُطلقًا من غير اشْتِرَاط أَنه أَخذ بِهِ من يعْتد بِعِلْمِهِ إِذْ يجوز للعامي الْأَخْذ بقول الْمُفْتِي بل يجب عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْح أَن الحكم فِي حق الْعَاميّ فَتْوَى مفتية وَفِي الْبَحْر أَن مَذْهَب الْعَاميّ فَتْوَى مفتية من تقيد بِمذهب فَكيف لَا يجوز أَولا يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ إِذا علم أَنه أَخذ بِهِ من يعْتد بِعِلْمِهِ لإجتماع الْفَتْوَى والْحَدِيث حِينَئِذٍ فِي حَقه
وَذكر فِي الخزانة عَن الرَّوْضَة الزندويسية سُئِلَ أَبُو حنيفَة إِذا قلت قولا وَكتاب الله يُخَالِفهُ قَالَ اتْرُكُوا قولي لكتاب الله فَقيل إِذا كَانَ خبر الرَّسُول ﷺ يُخَالِفهُ قَالَ اتْرُكُوا قولي لخَبر رَسُول الله ﷺ وَذكر فِي المثانة عَن الرَّوْضَة الزندويسية عَن كل من أبي حنيفَة وَمُحَمّد أَنه قَالَ إِذا قلت قولا يُخَالف كتاب الله وَخبر الرَّسُول ﷺ فاتركوا قولي
وَذكر ابْن الشّحْنَة فِي نِهَايَة النِّهَايَة أَنه صَحَّ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي
1 / 62