بِهِ وَيسْتَعْمل فِي مواده فَإِن ترك المقالات بِهِ إهانة لَهُ نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَقد حصل فهمه على الْوَجْه الَّذِي هُوَ منَاط التَّكْلِيف حَيْثُ وَافق فهم ذَلِك الْعَالم فَترك الْعَمَل بذلك الْفَهم لَا يُنَاسب التَّعْظِيم والإجلال فَمُقْتَضى التَّعْظِيم والإجلال الْأَخْذ بِهِ لَا بِتَرْكِهِ وَإِن كَانَ الْمَقْصُود مُجَرّد الرَّد عَن نَفسه بعد ظُهُور الْحق فَهَذَا لَا يَلِيق بشأن مُسلم فَإِن الْحق أَحَق بالاتباع إِذْ لَا يعلم ذَلِك الرجل أَن الله ﷿ قد أَقَامَ بِرَسُولِهِ ﷺ الْحجَّة على من هُوَ أغبى مِنْهُ من الْمُشْركين الَّذين كَانُوا يعْبدُونَ الْأَحْجَار وَقد قَالَ تَعَالَى فيهم ﴿أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ﴾ فَهَل أَقَامَ عَلَيْهِم الْحجَّة من غير فهم أَو فَهموا كَلَام رَسُول الله ﷺ فَإِن فهم هَؤُلَاءِ الأغبياء فَكيف لَا يفهم الْمُؤمن مَعَ تأييد الله تَعَالَى لَهُ بِنور الْإِيمَان وَبعد هَذَا فَالْقَوْل بِأَنَّهُ لَا يفهم قريب من إِنْكَار البديهيات وَكثير مِمَّن يعْتَذر بِهَذَا الِاعْتِذَار يحضر دروس الحَدِيث أَو يدرس الحَدِيث فلولا فهم أَو أفهم كَيفَ قَرَأَ أَو أَقرَأ فَهَل هَذَا إِلَّا من بَاب مُخَالفَة القَوْل الْفِعْل والاعتذار بِأَن ذَلِك الْفَهم لَيْسَ مناطا للتكليف بَاطِل إِذْ لَيْسَ الْكتاب وَالسّنة إِلَّا لذَلِك الْفَهم فَلَا يجوز الِاسْتِعْمَال بهما والبحث عَنْهُمَا بِالنّظرِ إِلَى الْمعَانِي الَّتِي لَا يعْمل بهما كَيفَ وَقد أنزل الله تَعَالَى كِتَابه الشريف للْعَمَل بِهِ وتعقل مَعَانِيه ثمَّ أَمر رَسُوله ص بِالْبَيَانِ للنَّاس عُمُوما فَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون﴾ وَقَالَ ﴿لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم﴾ فَكيف يُقَال إِن كَلَامه ص الَّذِي هُوَ بَيَان للنَّاس غير مَفْهُوم لَهُم إِلَّا لوَاحِد مِنْهُم بل فِي هَذَا الْوَقْت لَيْسَ مفهوما لأحد بناءا على زعمهم أَنه لَا مُجْتَهد فِي الدُّنْيَا مُنْذُ كم سِنِين وَلَعَلَّ أَمْثَال هَذِه الْكَلِمَات صدرت من بعض من أَرَادَ أَن لَا ينْكَشف حَقِيقَة رَأْيه للعوام بِأَنَّهُ مُخَالف للْكتاب وَالسّنة فتوصل إِلَى ذَلِك بِأَن جعل فهم الْكتاب وَالسّنة على الْوَجْه الَّذِي هُوَ منَاط للْأَحْكَام مَقْصُور على أهل الِاجْتِهَاد ثمَّ نفى عَن الدُّنْيَا أهل الِاجْتِهَاد ثمَّ شاعت هَذِه الْكَلِمَات بَينهم وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْأَمر وَلَعَلَّ بَعضهم لما رأى أَنه إِن منع ذَلِك يُمكن أَن يمِيل بعض إِلَى تَرْجِيح بعض الْمذَاهب الْمُوَافقَة لظَاهِر الْكتاب وَالسّنة فيأخذها زَاد على ذَلِك عدم جَوَاز الِانْتِقَال من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب وَعدم التلفيق وَنَحْوه لِئَلَّا يجد النَّاس إِلَى التَّرْجِيح سَبِيلا حَتَّى قَالَ قَائِل مِنْهُم إِن الْعَاميّ إِذا انْتقل من مذْهبه يصير أفسق الْفَاسِقين وَإِذا انْتقل الْعَالم يصير مبتدعا وضالا فبذلك لَا يطْمع أحد فِي التَّرْجِيح لما يرى أَنه لَا فَائِدَة تترتب عَلَيْهِ وَمَعْلُوم عِنْد أهل البصائر أَن مِثَال هَذِه المقالات لَا عين مِنْهَا فِي دين الله تَعَالَى وَلَا أثر بل كثير مِنْهَا مُخَالف لِلْعَقْلِ وَالنَّقْل وَمَعَ ذَلِك فترى كثيرا من أهل الْفَهم ينحرفون عَن طَاعَة الرَّسُول ﷺ مَعَ أَنَّهَا فرض لَازم لقَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله﴾ وَنَحْوه وَلَا يلتفتون إِلَى كَلَامه الَّذِي يرويهِ الثِّقَات الْأَثْبَات عَنهُ ﷺ بأسانيد صِحَاح ثَابِتَة إِلَى رِوَايَات من أَصْحَاب الْمذَاهب الْمَذْكُورَة فِي كتب الْمَذْهَب من غير إِسْنَاد وَكثير من أهل الْكتاب
1 / 61