من حيث إنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر، وإذا قال التابعي احتمل.
والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الآمر له ذلك الرئيس (٨٤).
قال (ع): أخذ كلام الكرماني وقلبه، وذلك أن الكرماني قال: إذا قال الصحابي أمرت فهم منه أن الرئيس أمره، فجعل الكرماني قوله: فإن الرئيس علة لقوله فهم منه وجعله هذا القائل حاملًا وداعيًا.
وقوله: من حيث إنهم مجتهدون، لا دخل له هنا لأنّ الحيثية تقع قيدًا، وهذا القيد غير محتاج إليه هنا لأنّ المدعى ههنا أن الصحابي إذا قال: أمرت فمعناه أمرني رسول الله ﷺ من حيث إنّه هو الآمر فيهم والمشرع، وليس المعنى أمرني رسول الله من حيث إنِّي مجتهد. وهذا كلام في غاية السقوط (٨٥).
قلت: أقول بالموجب، وقوله: هذا إشارة إلى الكلام القريب ففيه غفلة عن المراد، وهو تقسيم القائل إلى مجتهد وغير مجتهد، فإذا أورد الصحابي
_________
(٨٤) فتح الباري (١/ ٧٦).
(٨٥) عمدة القاري (١/ ١٨١) وقال البوصيري في مبتكرات اللآلي (ص٢٨) بعد أن نقل نص كلام الحافظ بن حجر: إنَّ من المقطوع به أن النسخة الّتي نقل منها العيني كلام ابن حجر محرفة تحريفًا لا يقبل الإِصلاح؛ لأن ما اعترض به العيني عليه لا ينصب على عبارة ابن حجر الّتي نقلتها، وهي نظيفة لا يحتاج فهمها إلى إعمال فكر ولا إشكال في منطوقتها ولا في مفهومها بل زاد على الكرماني علة نفي أن يراد في الفاعل أن يكون صحابيًا مثله حيث لا يكون الآمر مجتهدًا مثله، والمجتهد لا يقلد غيره كما هو مقرر في كلّ كتاب من كتب الأصول، وهو مبني على أن للصحابي أن يجتهد زمنه، ﷺ وهو الحق، بل هو واقع كثيرًا، علمناه من الوقائع الكثيرة.
1 / 53