بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله ﷺ البيعة الأولى بمنى، وأبو هريرة إنّما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام حنين، فكيف يكون حديثه متقدمًا؟!
وقالوا في الجواب عنه: يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النّبيّ ﷺ وإنّما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النّبيّ ﷺ قديمًا ولم يسمع بعد ذلك من النّبيّ ﷺ الحديث الذي يدلُّ على أنّ الحدود كفارة كما سمعه عبادة.
قلت: وفي هذا الجواب تعسف ويبطلة أنّ أبا هريرة صرح بسماعه من النّبيّ ﷺ، وأن الحدود لم تكن نزلت آنذاك، والحق عندي أنّ حديث أبي هريرة صحيح وهو سابق على حديث عبادة، والمبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصِّفَة المذكورة إنّما وقعت ليله العقبة، ونص بيعة العقبة هو ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أنّ النّبيّ ﷺ قال لمن حضر من الأنصار: "أُبَايعُكُمْ عَلى أَنْ تَمْنَعُوني مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبنَاءَكُمْ" فبايعوه على ذلك، وسَيأتي في كتاب الفتن من وجه أخر قال: بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره .. الحديث.
وأصرح من ذلك في هذا المراد ما أخرجه أحمد والطبراني من وجه آخر
عن عبادة في قصة جرت له مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في المنشط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله إذا قدم علينا يثرب فنمنعه ممّا نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنَّة، فهذه بيعة رسول الله ﷺ الّتي بايعناه عليها.
وعند الطبراني له طرق أخرى وألفاظ قريبة من هذه، فوضح بهذا أن الذي وقع في العقبة ما ذكر.
1 / 45