ولو كان العرب قد مارسوا الرسم والنحت لما كان يمكن أن تقع هذه الحادثة.
ونذكر هنا كتابا فرنسيا ألفه رجل يدعى بيلون في سنة 1555؛ أي: قبل 400 سنة، وقبل كتاب داروين «أصل الأنواع» بأكثر من 300 سنة، وقد أسماه «تاريخ طبيعة الطيور» ولم يكن في ذهنه شيء عن معنى التطور، ولكن كتابه هذا، برسومه ومقارناته بين الصور، أوحى فكرة التطور وحفز على بحثها، ونحن ننقل منه رسمين أحدهما معظم «أي الهيكل العظمي» إنسان والثاني معظم طائر وقد قابل بين الرسمين عظمة لعظمة كي يوضح أن المبنى العظمي في الإنسان لا يختلف كثيرا عن المبنى العظمي في الطائر، والحق أن المتأمل يعجب من التقابل، ولولا المنقار البارز لأنكر أنه ينظر إلى معظم طائر إزاء معظم إنسان.
وربما كان أول من لمح التطور هو «بوفون» الذي بحث هذا الموضوع، وهو على وعي؛ أي: وجدان، بقيمة النظرية في منتصف القرن الثامن عشر، فإنه عرف الأحافير؛ أي: الأحياء المنقرضة التي بقيت متحجراتها في القشرة الأرضية، فذكر أحافير النبات والفحم وأحافير السمك في الإردواز، وكتب في 1778 مقالا جاء فيه:
إن الحمار ينتمي إلى الجواد ولا يختلف منه إلا في التعديلات ... وإن الإنسان والقرد يعودان إلى أرومة واحدة مثل الجواد والحمار، وإن كل عائلة، سواء من النبات أم الحيوان، قد اشتقت من أصل عام، بل إن جميع الأحياء قد نبعت من نوع واحد مفرد، وهذا النوع، بمرور العصور، قد أعقب جميع السلالات المعروفة الآن.
وهذه الكلمات تدل على أنه كان «يؤمن» بنظرية التطور، ولكنه كان «يؤمن» فقط إذ إنه لم يستطع التعليل العلمي لتطور الأحياء ولذلك لا تعزى إليه النظرية.
وربما كان أعظم ما فتح الأذهان إلى النظرية أن لينيوس السويدي عمد إلى ترتيب النباتات لغويا، بحيث نستطيع أن نعين الاسم لنبات نجهله، وكان بتحري المشابهة والتناظر بين النباتات، ومع أن غايته كانت لغوية فإنه نص على أننا حين نسمي نباتا يجب ألا نخرج عن القرابة القائمة بينه وبين نبات آخر في التكوين النباتي.
ومع أنه لم يفكر بتاتا في التطور، ومع أنه كان يعتقد أن الأحياء النباتية مخلوقة كما هي وعلى ثبات لا يتغير، فإن ترتيبه اللغوي أدى إلى ترتيب ذهني، فبسط بذلك الميدان للتفكير التطوري ليس في النبات فقط بل في الحيوان أيضا.
وقد مات لينيوس عام 1778.
قلنا: إن بوفون قد لمح التطور، وإن لينيوس بسط الميدان بترتيبه اللغوي لأسماء النباتات، وبعد ذلك جاء لامارك الذي أعده أنا أعظم من داروين من حيث إصابته في تعليل التطور بأنه يعود إلى العادات التي يتعودها الحي؛ نباتا أم حيوانا، من تغير الوسط ومن مرانته على أن يلاءم بين أعضائه وبين هذا التغير، ثم توارث الأبناء لهذه التغييرات، وكتاب لامارك «فلسفة العلوم الحيوانية» أخرجه عام 1809؛ أي: قبل كتاب داروين بخمسين سنة تماما.
ثم جاء داروين وأخرج كتابه «أصل الأنواع» في 1859 ولم ينكر فيه أن الوسط يغير الحي، ولكنه لم يعتمد كثيرا على هذا العامل؛ إذ هو اعتمد على عوامل أخرى في التطور، هي: (1)
Bilinmeyen sayfa