لما عمت الزراعة جزءا كبيرا من الأرض في وادي النيل، احتاجت إلى الدين والحكومة وإلى شيء من العلم «مثل تقويم السنة» وإلى الكتابة؛ لأن الغرض الأول من الكتابة كان تسجيل مقدار الدخل الحكومي من الزراعة. (12)
ظهور الكتابة أدى إلى الثقافة.
الزراعة أنتجت الحضارة.
والكتابة أنتجت الثقافة.
وبالكتابة توسع التفكير البشري ووجدت كلمات التعميم والشمول، وأصبحت «النظرية» ممكنة، وصار الذكاء مدربا على الفهم العام، ورويدا رويدا تحول البحث الديني القائم على العقائد والخرافات إلى بحث فلسفي قائم على العقل والمنطق.
حوافز التفكير في التطور
من أعظم ما أخر الشعوب العربية عن المساهمة في الموكب العلمي العصري أن فني الرسم والنحت كانا مجهولين عندها، ولا عبرة برسم هنا وهناك على قماش أو خزف؛ لأننا نعني أن يكون الرسم فنا يحيا به وله فنانون محترفون، وكذلك الشأن في النحت.
فقد ورث الأوروبيون فن النحت عن الإغريق والرومان الوثنين، وابتدعوا هم فن الرسم، ولم يجدوا مانعا من التقاليد في ذلك.
ثم حين جاء ميعاد النهضة استطاع الباحثون في علوم الإنسان والنبات والحيوان والطب والطبيعيات أن يستخدموا فن الرسم في تطوير هذه الأشياء، فتقدمت علومها بذلك، وهنا حيل بين العرب وبين متابعة هذه العلوم بهذا التحريم الذي ذكرنا لفني الرسم والنحت، ثم يضاف إلى هذا تحريم التشريح للجثث البشرية.
وهناك قصة معروفة عن اثنين من اللغويين العرب أيام العباسيين فقد تحدى أحدهما الآخر في قدرته على تسمية أعضاء الفرس، ولكن الثاني تحداه أن يعين الأسماء للأعضاء على جسم الفرس؛ إذ كان الأول قد حفظ الأسماء من الكتاب وليس من الفرس.
Bilinmeyen sayfa