وإن الناس الآن لفي شديد الحاجة إلى كتاب واحد يقول بالاعتقاد في إله واحد، ويجمع الناس في معبد واحد في سائر أقطار الأرض، والناس لا يجمعون انتقاد العقلاء وتنقيب الفلاسفة والعلماء، بل إن هؤلاء يسلمون به فيركبهم سفينة السلام ويرسو بهم في مقر الطمأنينة والهدوء.
وعلى ذلك؛ فإذا احتشدت في كلام الإله الخرافات والتعاليم المستحيلة، فإن العلم ينبذ ذلك كما نبذ تعاليم الآلهة الوثنية الكثيرة، وحاشا لله الحقيقي أن يوحي بشيء غامض فوق عقول البشر.
إن الكنيسة تعتقد بأن الإيمان هو قانون وضع لتسير بحسبه النفس، وتكون بين عوامل التهديد والوعيد إذا هي حادت عن مواده وخالفت نصوصه، والعكس بالعكس.
وأما أنا فأعتقد بأن الإيمان هو الحق الذي تحوم حوله قوة الإدراك لاستجلاء مكنوناته، أو بتعبير آخر: إن الإيمان هو إدراك الوحي الإلهي إدراكا ترسخ صحته في النفس، فيتولد من ذلك الإيمان بالإله الحقيقي.
ثم إني لا أطالع التوراة (العهد القديم) ولا أبحث في أسفارها؛ إذ إنني لا أبحث في ديانة اليهود، بل ما نقوله الآن خاص بالديانة المسيحية التي يدين بها قسم عظيم من سكان المعمور، وكلهم يعتقدون بأنه لا معنى للحياة بدون تلك الديانة، وإنما نرجع إلى بعض مواضع التوراة التي ترشدنا إلى ظهور الديانة المسيحية.
ولذلك لا يلزم الاعتقاد بتلك الديانة التي وجدت من عهد آدم جد البشر الأول حتى يومنا هذا؛ لأن ديانة اليهود قبل المسيح كانت ديانة وقتية مكانية، يجب أن ننظر إليها كما ننظر إلى ديانة البراهمة والبوذيين سواء بسواء، وأما الديانة المسيحية فهي الديانة التي نأخذ بها الآن، وينبغي علينا أن نبحث فيما أتت به بحثا مدققا، وإلا فيكون مثلنا في درس الديانة العبرانية لفهم الديانة المسيحية كمثل من يدرس مادة الشمعة قبل إضاءتها ليدرك من ثم ماهية النور الذي يخرج منها.
والكنيسة قد أخطأت خطأ عظيما باعتبارها كتب العهد القديم كتبا موحى بها من الله، كاعتبارها للإنجيل أو العهد الجديد، وهي إنما تعتقد هذا الاعتقاد بالقول فقط دون الفعل؛ ومن ذلك فقد وقعت بين اعتقادات متخالفة، وأضحى مركزها حرجا لا يمكنها التخلص منه إلا إذا عقلت خطأها وأدركت سقطتها.
وبناء على ما تقدم فإني أنبذ كتب العهد القديم والكتب المقدسة التي حصرتها الكنيسة في سبعة وعشرين كتابا، فدع عنك التقاليد المحفوظة لديها التي لم يمكنها حصرها لا في سبعة وعشرين كتابا ولا في خمسة ولا في 138 كتابا، ولا يجوز حصر الوحي في الصحائف والحروف.
فالقائل مثلا بأن الوحي الإلهي محصور في 185 صحيفة، كالقائل بأن نفس هذا الإنسان تعدل خمسة عشر رطلا، أو أن نور ذلك المصباح يعدل سبعة أكيال.
أما وحي الله فقد هبط على أرواح أفراد من الناس ذوي القوى الفياضة الذين نشروه وعلموه للأمة الموحى به إليها فحفظته، وقام البعض من أفرادها يكتب ما علق بذاكرته من ذلك الوحي، فكتب الآخرون تلك الكتب واعتبروها منزلة موحى بها من الله، وقد حصر بعضهم عدد ما كتب منها، فبلغ ما ينيف على المائة بين إنجيل ورسالة، ولم تعتبرها الكنيسة كلها كتبا منزلة، بل اختارت منها سبعة وعشرين كتابا وأطلقت عليها اسم الكتب القانونية. ولا ندري السر في اختيارها لهذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره، واعتباره مقدسا منزلا دون سواه، مع أن الأشخاص الذين كتبوها هم في نظرها رجال قديسون أتقياء، خدموا المسيحية في بدء ظهورها خدمات جليلة بتبشيرهم في الناس، وجوبهم في طول البلاد وعرضها، واحتمالهم الاضطهاد والأهوال من عبدة الأوثان . ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك الكتب أوضحت للناس سبب هذا التفضيل، فبينت إذ ذاك ما وجدته من الخطأ في الكتب التي لم تعتبرها موحى بها، بل اعتبرتها كتبا تاريخية وضعت لسرد تاريخ الكنيسة وتخليد أعمال رجالها أسوة بكتب تاريخ الأمم والممالك السالفة، وإني على يقين من عجزها عن توضيح ذلك السبب وإظهار الحق من الباطل مما حوته تلك الكتب الكثيرة.
Bilinmeyen sayfa