وأما المِدْيان فاختلفوا فيه، فرُوي عن الأوزاعي (١) أنه أرخص في خروجه إلى الجهاد من غير إذن صاحب الحق، وروي عن الشافعي أنه ليس له أن يغزو بحالٍ إلا بإذن أهل الدَّيْن، وسواء كان الدَّين لمسلم أو كافر (٢)، وفرَّق مالكٌ بين أن يجد قضاءً أو لا يجد، واختلفت مع ذلك فيه الروايات عنه (٣)، والأصل في هذا ما خرَّجه مالك في «الموطأ» (٤) عن أبي قتادة، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله
_________
= فلا يبلغ الجدُّ والجدة أن يلحقا بالوالدين.
وقال سحنون: وأمّا الجدُّ والجدَّةُ فبرُّهما واجب، ولا يلحقان في هذا بالأبوين. انظر: «النوادر» (٣/٢٣)، «عقد الجواهر الثمينة» (١/٤٦٥)، «الذخيرة» (٣/٣٩٥) .
وقال الماوردي في «الحاوي الكبير» (١٨/١٣٧): «فأما استئذان الجد والجدَّة، فإن كان الأبوان معدومين، أو مشركين، أو منافقين، قاما مقام الأبوين في وجوب استئذانهما، وإن كان الأبوان باقيين مسلمين، ففي وجوب اسئتذان الجد والجدة وجهان: لا يجب استئذانهما؛ لحجبهما عن الولاية والحضانة بالأبوين. والثاني: يجب استئذانهما لوجود إشفاق الأبوين فيهما» .
(١) نقله عن القرطبي في «تفسيره» (٨/١٥٠)، وابن النحاس في «مشارع الأشواق» (١/ ١٠٠)، وانظر: «أحكام إذن الإنسان» (٢/٦٣٢، ٦٣٥) .
(٢) انظر: «الأم» (٤/٨٦) -ونقل كلامه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (١٣/١٢٤) - «مختصر المزني» (ص ٢٦٩)، «الحاوي الكبير» (١٨/١٣٢-١٣٣)، «روضة الطالبين» (١٠/٢١١، ٢١٤)، «مغني المحتاج» (٤/٢١٧، ٢١٩)، «أسنى المطالب» (٤/١٧٧)؛ لأن فرض الجهاد على الكفاية -مالم يتعيَّن عليه-، وفرض الدَّيْن متعينٌ عليه، وفروض الأعيان مقدمة على فروض الكفاية، ولأن الجهاد من حقوق الله، وهي أوسع من حقوق الآدميين، وهي أضيق، فقدّم الأضيق على الأوسع، وهذا إذا لم يخلِّف المجاهد وفاءً، والله أعلم.
نعم؛ لا يجوِّزون الخروج إلى الجهاد بغير إذن الدائن إلا إذا ترك وفاءً، أو أقام كفيلًا، أو وثّق الدّين بِرَهْن، وبهذا قالت الحنابلة -أيضًا-، انظر: «المحرر» (٢/١٧٠)، «كشاف القناع» (٣/٣٩) .
(٣) انظر: «النوادر والزيادات» (٣/٢٣)، «الكافي» (١/٤٦٤)، «المقدمات الممهدات» (١/ ٣٥١)، «التاج والإكليل» (٣/٣٤٩)، «الخرشي» (٣/١١١)، «حاشية الدسوقي» (٢/١٧٥) .
(٤) (ص ٢٨٥) .
وأخرجه مسلم (١١٧) (١٨٨٥)، والترمذي (١٧١٢)، والنسائي في «المجتبى» (٦/٣٤، ٣٥)، والدارمي (٢٤١٧)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (١٩٢)، والحميدي في «مسنده» (٤٢٥) من طرقٍ =
1 / 57