الله -تعالى-: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥]، قيل: يريد قتال أهل مكة لاستنقاذ من فيها من المستضعفين (١)، وكذلك يدل
قوله ﷺ: «وهم يدٌ على من سواهم» . وقال ﷺ: «فُكُّوا العاني»؛ خرَّجه البخاري (٢) . ولا خلاف في ذلك أعلمه. قيل: فإن لم تكن لهم قدرة على استنقاذهم بالقتال، وكانت هنالك أموالٌ يُفدَون بها؟! وَجبَ فداؤهم بالمال، وإن كانت لهم قدرةٌ، وهناك أموالٌ، كانوا بالخيار بين القتال والفداء، واجبٌ عليهم أن يمتثلوا أحدَ الأمرين (٣) .
وأما الحالة الثالثة (٤): فهي ما وراء القيام بالفريضة في الحالتين
المتقدمتين،
_________
(١) أخرج ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٣/١٠٠٢/ رقم ٥٦١٠) بسنده إلى مجاهد في تفسير هذه الآية، قال: «أمرَ المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفين مؤمنين كانوا بمكة» . وأخرجه ابن جرير في «التفسير» (٤/١٦٨)، وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (٢/٥٩٣) إلى عبد بن حميد في «تفسيره» .
(٢) في «صحيحه» في كتاب الجهاد والسِّير (باب فكاك الأسير) (رقم ٣٠٤٦)، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله ﷺ: «فكّوا العاني -يعني: الأسير- وأطموا الجائع، وعودوا المريض» .
وأخرجه في كتاب النكاح (باب حقّ إجابة الوليمة والدعوة، ومَن أولم سبعة أيام ونحوه) (رقم ٥١٧٤) .
وفي كتاب الأطعمة (باب وقول الله -تعالى-: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾) (رقم ٥٣٧٣) .
وفي كتاب المرضى (باب وجوب عيادة المريض) (رقم ٥٦٤٩) .
وفي كتاب الأحكام (باب إجابة الحاكم الدعوة) (رقم ٧١٧٣) .
(٣) وسيأتي تفصيل (أحكام الأسرى والتصرف فيهم) في (الباب الخامس) -إن شاء الله تعالى-.
(٤) بقيت (حالة رابعة)، وهي مهمة جدًا، وهي تخصُّ نوازل الجهاد في هذا الزمان، فقد تقع وستجدّ ملابسات، ما كانت في حسبان فقهائنا الأقدمين، تؤثر على الحكم العيني أو الكفائي، تجعل الموفَّق من (المفتين) يأخذها بعين الاعتبار، كما وقع تمامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لما ذكر أنَّ الناس كانوا في وقت الشدائد يطوفون بالقبور، ويستنجدون بهم، ويطلبون منهم =
1 / 48