الله ﷺ: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم» .
وذلك مما لا يُعرف فيه خلاف (١) .
_________
(١) هذا النوع يسمى عند غير واحد من الفقهاء (جهاد الدّفع) . وهو: «أصعب من جهاد الطلب، فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل، ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه، كما قال الله -تعالى-: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ﴾ [الحج: ٣٩]» قاله ابن القيم في «الفروسية» (ص ١٨٧- بتحقيقي)، وزاد:
«فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمّ وجوبًا، ولهذا يتعيّن على كل أحد يقم، ويجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق.
ولا يُشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضِعْفَي المسلمين فما دون؛ فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجبًا عليهم؛ لأنه حينئذٍ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار، ولهذا تباح فيه صلاة الخوف بحسب الحال في هذا النوع، وهل تُباح في جهاد الطلب إذا خاف فوت العدو ولم يخف كرّته؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد.
ومعلوم أن الجهاد الذي يكون فيه الإنسان طالبًا مطلوبًا أوجب من هذا الجهاد الذي هو فيه طالب لا مطلوب، والنفوس فيه أرغب من الوجهين.
وأما جهاد الطلب الخالص؛ فلا يرغب فيه إلا أحد رجلين: إمّا عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كلّه لله، وإما راغب في المغنم والسَّبي.
فجهاد الدفع يقصده كل أحد، ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعًا وعقلًا، وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين، وأما الجهاد الذي يكون فيه طالبا مطلوبًا؛ فهذا يقصده خيار الناس؛ لإعلاء كلمة الله ودينه، ويقصده أوساطهم للدفع ولمحبة الظّفر» .
ونفي الخلاف في هذا الوجوب العيني في هذا النوع مسبوق به المصنف، وهو مشهور في كتب العلماء، قال الجصاص في «أحكام القرآن» (٤/٣١٢): «ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو، ولم تكن فيهم مقاومة لهم، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة: أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحدٍ من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسَبْيَ ذراريهم» .
وقال القرطبي في «تفسيره» (٨/٥١): «إذا تعيّن الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار ... وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا، ويخرجوا إليه خفافًا وثقالًا، شبابًا وشيوخًا. كلٌّ على قدر طاقته ...، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا، =
1 / 46