يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] . فدلَّ ذلك كلُّه على أنه مَهما بقي من الكفار أحدٌ يمكن التوصُّل إليه، فواجبٌ على المسلمين قتالهم حتَّى يسلموا، أو يؤدُّوا الجزية إن كانوا من أهلها.
وإذا تقرَّر هذا، فلم يَبقَ إلا أن يكون ذلك متواليًا مُتَّصلًا، لا يفترُ المسلمون عنه، وفي ذلك إجحافٌ، قد عُلم في الشَّرع التَّخفيف دونه، أو أن يتكرر ذلك على أوقاتٍ يَتَّسعُ الناس في أثنائها، فلا تجد ذلك أقلَّ من مرَّةٍ في العام، قال الله
-تعالى- في المنافقين وتقريعهم: ﴿أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٦] . فأَعْلَمَنا -سبحانه- أن فتون أهل الكفر وإصابتهم في كلٍّ عامٍ مرَّة مقنعٌ في العقاب، ومذكِّرٌ لأولي الألباب.
وقال كثيرٌ من أهل العلم (١) في حدِّ الأَداء لوجوب القيام بفرض الجهاد: هو أن يُدفع العدو، وتُحمى الثغور، ويُستظهر على أهل دار الحرب، فإذا قيم بذلك سقط الفرض، ومن قام به من المسلمين أجزأ، وهذا صحيح ما دام بالمسلمين حاجةٌ إلى ذلك، وإنما يكون القول بإيجابِ المرَّة بعد الخلو والتَّفَرّغ من ذلك كلِّه، ومُضيِّ السنين، من غير احتياجٍ إلى شيءٍ منه، ومهما احتيج في سدِّ الثغور، وصلاح أحوال المسلمين إلى التعهُّد بأكثر من ذلك، فهو يجب بحسب ما تدعو إليه الحال، كما عُلِمَ من فعلِ النبي ﷺ، وتواتَرَ من موالاته غزو الكفار المرّة بعد المرّة.
خرّج مسلم (٢) عن بُريدة: غزا رسول الله ﷺ تسع عشرة غزوة، قاتل في
_________
(١) انظر: «الوسيط» للغزالي (٧/٦)، «البحر الرائق» (٥/١٢٠) .
(٢) في «صحيحه» في كتاب الجهاد (باب عدد غزوات النبي ﷺ) (١٤٣) (١٢٥٤)، من حديث بريدة ﵁.
وعن زيد بن أرقم قال: «غزا رسول الله ﷺ تسع عشرة غزوة، وغزوت معه سبع عشرة غزوة» . أخرجه أحمد (٤/٣٤٧) من طريق ميمون أبي عبد الله، عن زيد، به. ونحوه عن أبي إسحاق عن زيد؛ أخرجه البخاري (٣٩٤٩)، ومسلم (١٤٣) (١٢٥٤)، والترمذي (١٦٧٦)، وأحمد (٤/٣٦٨، ٣٧٠، =
1 / 43