يقاتله، فحينئذٍ يكون له قتاله، واستدلَّ من ذهب إلى ذلك بقول الله -تعالى-: ﴿وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١]، وزعموا أن الآية مُحْكمة، وحُجَّة الجمهور: قوله -تعالى-: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى
لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ أي: شِركٌ ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله﴾ [الأنفال: ٣٩]، وقوله -تعالى-: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥]، ومعلوم أنَّ هذه الآية نزلت بعد آية الأمر بالكفّ عند المسجد الحرام، فحملوها على أنَّها ناسخةٌ لها، كما نسخت جميع ما كان من مهادنةٍ قبل ذلك، واستدلوا على صحة ذلك بحديث مالكٍ (١)، عن ابن شهاب، عن أنس، أن رسول الله ﷺ دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله، ابنُ خطَل متعلّق بأستار الكعبة! فقال: «اقتلوه» .
وكذلك قتال الكفار في الأشهر الحرم، نُسِخَ الحظْرُ فيه؛ الذي يدل عليه قوله -تعالى-: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧]،
_________
= وأسنده عن مجاهد: ابن جرير (١٤ رقم ١٦٣٦٤- ط. شاكر)، وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (رقم ٣٦٣) ونقله مجاهد عن علي. وأما طاوس فذكر مذهبه القرطبي في «تفسيره» (٢/ ٣٥١)، عند الآية (١٩١) من (سورة البقرة) . وقال: «وهو الذي يقتضيه نص الآية، وهو الصحيح من القولين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه» . وانظر لنصرته: «أحكام القرآن» للجصاص (١/٣٢١)، و«أحكام القرآن» (١/١٠٢-١٠٣، ١٠٧-١٠٨) لابن العربي.
(١) أخرجه في «الموطأ» (رقم ١٤٤٧- رواية أبي مصعب الزهري، ورقم ٢٦٢- رواية يحيى الليثي، ورقم ٢ - رواية ابن القاسم، ورقم ٦٢١- رواية الحدثاني) .
وأخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الحج (باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام) (رقم ١٨٤٦)، وفي كتاب الجهاد والسير (باب قتل الأسير وقتل الصَّبر) (رقم ٣٠٤٤)، وفي كتاب المغازي (باب أين ركز النبي ﷺ الراية يوم الفتح؟) (رقم ٤٢٨٦)، وفي كتاب اللباس (باب المغفر) (رقم ٥٨٠٨) . ومسلم في «صحيحه» في كتاب الحج (باب جواز دخول مكة بغير إحرام) (٤٥٠) (١٣٥٧) من طرقٍ عن مالكٍ، بهِ. وأخرجه جمعٌ كبير عن مالك -أيضًا-. فانظر تحقيقنا لكتاب «الحنائيات» (رقم ١)، فقد فصَّلنا -في التعليق عليه- بيان ذلك، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1 / 35