شُبرمة، وسفيان الثوري (١) . وذُكر عن عطاء، أن الجهاد إنما كان فرضًا على
الصحابة (٢)، وهذا يحتمل أن يريد فَرْضَ عين، فلما استقرَّ الشرع، صار على الكفاية، ويحتمل أن يذهب بذلك إلى قول من زعم أنه الآن نافلة، يَعْنُون: بعد فتح مكة.
ولم يختلفوا أنَّ الإمام إذا اسْتَنْفَرَ أحدًا للغزو، فإنه يجب ذلك عليه، لقوله ﷺ: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيَّة، وإذا استُنْفِرْتُم فانفروا» . خرَّجه
_________
= قوله: ناسخة لفرض الجهاد، أي الجهاد الذي على الأعيان، فهو على الكفاية إلا إذا احتيج إلى الجميع، كما ذكر ذلك المصنف ﵀.
وقال الجصاص في «أحكام القرآن» (٤/٣١١): «فحُكِيَ عن ابن شبرمة والثوري في آخرين أن الجهاد تطوع وليس بفرض» .
وقال ابن العربي في «أحكام القرآن» -أيضًا- (١/١٠٣): «وقال جماعة من الفقهاء: إن الجهاد بعد فتح مكة ليس بفرض إلا أن يستنفر الإمام أحدًا منهم. قاله سفيان الثوري، ومال إليه سحنون، وظنه قوم بابن عمر حين رأوه مواظبًا على الحجّ تاركًا للجهاد، وقد قال النبي ﷺ: لا هِجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا. ثبت ذلك عنه.
وهذا هو دليلنا؛ لأنه أخبر أن الجهاد باقٍ بعد الفتح، وإنما رفع الفتح الهجرة، وذلك لقوله
-تعالى-: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؛ يعني: كفرًا ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لله﴾ .
ومواظبة ابن عمر ﵁ على الحجّ لأنه اعتقد الحق، وهو أن الجهاد فرضٌ على الكفاية إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الباقين.
ويحتمل أن يكون رأى أنه لا يجاهد مع ولاة الجور.
والأول أصح؛ لأنه قد كان في زمانه عدول وجائرون، وهو في ذلك كله مُؤْثِرٌ للحج، مواظبٌ عليه» .
وقال الجصاص في «أحكامه» (٤/٣١٥) بعد كلام: «وهذا يدل على أن مذهب ابن عمر في الجهاد فرض على الكفاية، وأن الرواية التي رويت عنه في نفي فرض الجهاد إنما هي على الوجه الذي ذكرنا من أنّه غير متعيّن على كل حالٍ في كل زمان» .
وانظر: «الناسخ والمنسوخ» لأبي عبيد (ص ٢٠٣، ٢٠٦)، «فتح القدير» (٥/١٨٩)، «تفسير القرطبي» (٣/٣٩)، «الذخيرة» (٣/٣٨٥) .
(١) ونقل ابن عبد السلام عن سحنون أنه سُنَّة، وأنكر شيخنا عليه نقله؛ لكونه غير معروف. قاله البرزلي في «فتاويه» (٢/٨) . ويُذكر هذا عن ابن دينار -أيضًا-. كما في «فتاويه» -أيضًا-.
(٢) مضى ذكره.
1 / 30