الله -تعالى-: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٣٥]، وقال -سبحانه-: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] .
ومنها: أن تكون له قوة في نفسه، وحالة يأمن معها أن يُسْطَاع ذلك، فإن لم يكن كذلك لم يجب عليه، لكنه إن فعل صابرًا محتسبًا قيامه في ذلك عند الله ﷿: صحَّ، وكان مأجورًا. قال الله ﷿: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧]، وقال -تعالى-: ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧] .
وخرَّج الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: «إن من أعظم الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر» (١)، قال فيه: حسن غريب.
_________
= وما يليق في مثله، ويؤدّي إلى إزالة فعله، قال الله -تعالى- في صفة القوم يحبهم ويحبونه ويجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم: ﴿ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾» .
ثم نقل ﵀ عن شيخه المشتهر بابن أبي درقة ﵀ قال: «كنت مرَّةً في غرَّة الشباب، ومبادي الطلب، فتشاغلت عن إحدى صلاتي العشاء إلى أن شارفت الفوات، فأتيت عَجِلًا إلى بعض المساجد، واعتمدت بعض زواياه، فصلّيتها مبادرًا متجوّزًا في بعض أركانها، وإذا بعض الشّيوخ يسارقني النَّظر، بحيث لم أشعر به، فلمّا أتممت صلاتي، وهممت بالانصراف استدعاني، فأتيته، فسألني قليلًا، ثم قال: يا بنيّ، رجلٌ تسلّف دراهم إلى وقتٍ، فلمّا حلّ الأجل، والغريم موسر قادرٌ على الأداء، تهاون بذلك واستخفّ، ولم يزل يتراخى به إلى أن استحق ذمّ التأخير، ثم أتاه بها بعد ذلك ناقصةً، زيُوفًا، فجميعٌ بين جنسي الإساءة في القضاء، فهل يكون لهذا حظٌّ في القبول؟ فما أتم كلامه حتى فهمت مقصده وتعريضه بما فعلت في صلاتي، فخجلت، ثم قلت له: فهمت يا عمّ، فما زاد على أن قال: قم يا بنيّ بارك الله فيك، فعدت لإتمام صلاتي، وأثّر ذلك عندي خير تأثير» .
ثم قال: «فهذا النوع من الرِّفق والتلطّف في التّعليم بحسب فهم صاحب النّازلة وما يليق به، أوقع في النفوس وأقرب إلى الإجابة من كثير من العنف والشِّدَّة» .
(١) أخرجه الترمذي في «الجامع» (رقم ٢١٧٤)، وأبو دواد في «سننه» (رقم ٤٣٤٤)، وابن ماجه في «سننه» (رقم ٤٠١١)، والخطيب في «التاريخ» (٧/٢٣٨)، والمزي في «تهذيب الكمال» (١٧/٤٠٥) من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، به.
وفيه زيادة عند أبي داود، والخطيب: «أو أمير جائر» . وقال الترمذي: «حسن غريب من هذا =
1 / 14