أهل الباطل، والإغلاظ عليهم، وما أشبه ذلك، مما يجب إبراء القول فيه.
وهذا الضرب واجب على المكلَّف بشروط:
منها: أن يكون عالمًا بطرق الإنكار، ووجه القيام في ذلك، من التَرَفُّقِ تارة، والغلظة أخرى، بحسب المُنكر في نفسه، والأحوال التي تَعترض، فإنْ لم يكن كذلك لم يجب، بل قد يحرم عليه القيام؛ لأنه ربما وقع في أَشدّ مما أنكر (١)،
قال
_________
(١) قرر ابن القيّم -رحمه الله تعالى- في كتابه المستطاب: «إعلام الموقعين» (٤/٣٣٩-٣٤٠- بتحقيقي) أنّ إنكار المنكر أربع درجات، هي:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يُزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شرٌّ منه.
قال: «فالدرجتان الأولتان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة» .
قال: «فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشّطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحبّ إلى الله ورسوله كرمي النّشاب وسباق الخيل ونحو ذلك، وإذا رأيت الفسّاق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مُكاءٍ وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيرًا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ماهم فيه شاغلًا لهم عن ذلك، وكما إذا كان الرجل مشتغلًا بكتب المجون ونحوها وخِفتَ من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسّحر فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع؛ وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه ونوّر ضريحه يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التّتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنّما حرّم الله الخمر لأنها تصدّ عن ذكر الله وعن الصّلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم» وانظر في هذا: «الاستقامة» (٢/١٦٥-١٦٨)، و«مجموع الفتاوى» (٢٠/٥٧-٦١)، و«الأمر بالمعروف» (ص ١٧-١٨) كلها لابن تيمية.
وفصّل المصنف في ذلك في كتابه المفيد «تنبيه الحكام على مآخذ الأحكام» (ص ٣٢٠) فقال:
«فأمّا إن خيف مع الرّفق فوات عين المنكر، أو اتّصال الاستطالة على مثله لاستخفاف المقوّم عليه وقلّة التفاته ومبالاته، وعلم أن الرّفق لا ينفع في مثل ذلك، وأمن أن يثير الإغلاظ منكرًا أشدّ من الحاضر، فينبغي المعالجة بما يقاومه ويصلح به ذلك الأمر من الشدّة والعنف، وبحسب عظم المنكر=
1 / 13