İman, Bilgi ve Felsefe
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Türler
لهذا فإن عبقرية كومت والاحتياطات التي ظن أنه اتخذها لإقامة نظامه الاجتماعي على أساس معقول، كل ذلك لم يمنع فكرته أن يصيبها ما أصاب غيرها من الأفكار المشابهة لها مع بعض اختلاف في الزمن الذي لزم لذلك. حقا أن (السياسة الوضعية) وغيرها من الكتب التي كتبها كومت في حاله الثانية تكثر فيها الآراء الثاقبة الدقيقة. ومن المفيد أن يبحث الإنسان عما يصل إليه تفكير العقل الكبير في أي موضوع من الموضوعات، ولكن هذا الجزء من عمله، وإن حسبه هو صاحب المركز الأول أبعد من أن يحتفظ بهذا المركز في نظر المؤرخ.
وسبب ذلك أن كومت لا يمثل فيه إلا جيله، أما في فلسفته فهو ممثل عصره والقرن بأجمعه. ولسنا بحاجة إلى إقامة الدليل على ذلك؛ فإن تاريخ الحياة الفكرية لذلك القرن تشهد به كل خطوة من خطاها؛ إذ كان هذا المذهب من بين المذاهب التي ظهرت في فرنسا في القرن التاسع عشر الوحيد الذي تخطى حدود هذا الوطن ورسم بطابعه المفكرين الأجانب. فقد لقيت فلسفة كومت أول ظهورها في إنجلترا وهولندا عطفا لم تلقه في فرنسا نفسها، واستمد منها ستوارت مل وهربرت سبنسر وجورج لويس وجورج اليت وعدد غيرهم من فلاسفة الإنجليز وكتابهم، ثم هي لا تزال إلى اليوم تجد من بين رجال إنجلترا النوابغ من يدافع عنها. وإذا لم يكن من فلاسفة الألمان من اتصل بكومت صلة جان ستوارت مل به، فإن الروح الوضعية تمتد في الكليات الألمانية وتنتشر من نحو ثلاثين سنة. ويكفي مقنعا بذلك ملاحظة ما هناك من اطراح الأفكار المتافيزيقية (ما بعد الطبيعة) والمذهب الذي يقام على أساس العلوم الخلقية والاجتماعية، أما في الممالك اللاتينية في العالمين، فأثر كومت ظاهر على أشده، سواء في ذلك إسبانيا والبرتغال وأمريكا الجنوبية. ولم تخل أمريكا الشمالية من الجمعيات الوضعية. بل لقد لقي كومت فيها أيام حياته أصحابا أكثر ما يكونون لمذهبه إخلاصا.
أما السبب الأهم في إذاعة الفلسفة الوضعية في فرنسا، فكانت كتابات ذينك المؤلفين المحبوبين إلى الرأي العام تين ورينان. فلقد عملا من غير أن يكونا وضعيين لنشر مذهب كومت أكثر مما عمل لتريه وكل الوضعيين معا.
حقا لقد أفاد تين كثيرا من سبينوزا ومن هيجل. أجل أفاد من كندياك أكثر مما أفاد منهما. وهو يتصل من المعاصرين بستوارت مل وسبنسر. ولكنه إنما كان يصدر عن كومت متخذا إياهم بعد ذلك سبيله ووسيلته. ففكرته في تاريخ الأدب وفي النقد وفي فلسفة الفنون والمجهودات التي صرفها لينقل إلى العلوم الخلقية طريقة العلوم الطبيعية كل ذلك يرجع إلى أوجست كومت بنوع خاص. وكتابه في تاريخ أدب الإنجليز هو تطبيق للنظرية الوضعية التي تجعل تطور الفنون والآداب خاضعا لأحكام معينة وقوانين محتومة تجعلها متضامنة مع تطور الأخلاق والأنظمة والعقائد. أما نظرية الزمن والوسط، وهي إحدى نظريات تين الرئيسية، فلم تكن مجهولة في القرن الثامن عشر، ولكن فضل تعميمها يرجع إلى كومت في مقاربته ما بين لاماركه ومونتسكيو. وكومت هو الذي أفاد تين التعريف العام لفكرة الوسط تعريفا جامعا بين أن يكون بيولوجيا واجتماعيا.
وأما ما قاله رينان عن كومت فكان غاية في القسوة، ويمازجه شيء من التحقير والازدراء. وعلى الرغم من ذلك فقد اعترف أن كومت سيكون بلا شك من أعلام ذلك العصر كما أنه لم يسلم من التأثر به أعظم الأثر. ولئن كان واجبا ألا ننسى المصادر الأخرى الفرنسية والأجنبية التي أوردها ذلك العقل الكبير، فإن اعتباره التاريخ (علم الإنسانية الأقدس) وانتظاره منه أن يحل الإيمان بفكرة التقدم الوضعية محل آي الكثلكة القديمة عن القدرة العليا، وإدراكه أن الحقيقة والخير ليسا حقائق خالدة جامعة، بل هما يتحققان رويدا بمجهودات الأجيال المتعاقبة، كل ذلك يرجع الفضل فيه إلى كومت بمبلغ ما يرجع إلى هيجل.
ونحسب هذين المثلين يكفيان لإظهار ما وصلت إليه الروح الوضعية من سعة الانتشار.
وقد بلغ من اختلاط هذه الروح بالفكرة العامة في عصرنا الحاضر حتى أصبح الإنسان لا يكاد يلاحظها، مثلما أنه لا يهتم للهواء الذي يستنشقه. فتأثر بها التاريخ والقصص والشعر ثم عادت هذه الفروع كلها، فزادت في تلك الروح انتشارا. وكذلك عن كومت صدر علم الاجتماع الحاضر؛ وعنه إلى حد ما صدر علم النفس بطريقته العلمية ؛ ولهذا كله فلا يكون مجازفا من يعتبر الفلسفة الوضعية مظهر الميول والأفكار المميزة لعصرنا الحاضر.
وإذن فوقوفنا من عمل كومت عند الفلسفة التي تكون أكثر أقسامه عبقرية وحياة وخصبا، ليس هو إلا الأخذ بالحقيقة التي يرى بها التاريخ. ولا يهمنا إن لم يعتبر كومت هذا القسم إلا مقدمة بسيطة. فكم كان المجهود النظري يقوم به أحد المفكرين لينشئ فوقه عملية أكثر فائدة وأخلد أثرا من تلك النتائج نفسها. (2) المسألة الفلسفية
يرى كومت أن القصد من الفلسفة أن تقوم أساسا للخلق وللسياسة وللدين. فهي ليست غاية لذاتها ولكنها وسيلة لغاية لا يمكن الوصول إليها بدونها. ولو اعتقد كومت يوما أن في الإمكان إعادة نظام الجمعية من غير البدء بنظام الأخلاق أو إقامة الأخلاق من غير أن يسبقه تنظيم العقائد، إذن لما ألف - على الأغلب - ستة أجزاء في دروس الفلسفة الوضعية التي شغلته ما بين سنة 1830 وسنة 1842، بل لتخطاها إلى ما كان أسمى منها فائدة وأكثر جدوى.
ولكنه اقتنع من أول أمره أن أقصر الطرق أسوؤها، ورأى أن كل مجهود يصرف لإقامة النظام الديني أو السياسي أو الخلقي يذهب عبثا إذا لم يسبقه إعادة النظام العقلي؛ لهذا جعل أول همه إقامة فلسفة جديدة لا غنى عنها للوصول إلى الغاية الاجتماعية التي كان يرمي إليها. وبذلك أصبحت هذه الفلسفة غرضا في ذاتها ولو مؤقتا.
Bilinmeyen sayfa