والآن حين نأخذ في تمحيص كل وجه ونسوق أدلته، قالوا: إن الأصل في منع الاسم من الصرف شبهه بالفعل، وإن ذلك يتحقق بوجود علتين في الاسم: إحداهما ترجع إلى المعنى والثانية ترجع إلى اللفظ، أو بوجود علة واحدة تقوم مقام العلتين:
والعلة التي تجزئ عن العلتين نوعان: ألف التأنيث ممدودة أو مقصورة، وصيغة منتهى الجموع.
والعلة المعنوية هي العلمية أو الوصفية.
والعلل اللفظية هي: العجمة، والتركيب المزجي، والتأنيث، والعدل، وزيادة الألف والنون، ووزن الفعل.
فالعلمية تمنع من الصرف مع أي واحدة من هذه العلل اللفظية، والوصفية تمنع مع العدل، وزيادة الألف والنون، ووزن الفعل. هذا ملخص قولهم.
1
أما تعليلهم منع الصرف بمشابهة الفعل، فلو صح لكان أولى الأسماء بالمنع من الصرف الأسماء المشتقة، من اسم فاعل واسم مفعول، فهما يسايران الفعل في هيئته وفي معناه، حتى عدهما جماعة من النحاة نوعا من أنواع الفعل.
2
وإذا تتبعنا بالنقد العلل التي جعلوها سببا في تحقق المشابهة بين الاسم والفعل، وجدنا منها ما لا يكون في الفعل، وما حقه أن يباعد بين الاسم والفعل، لا أن يقرب بينهما. فالعلمية من أخص صفات الاسم وأبعدها عن الفعل، والعجمة والتركيب المزجي من حقهما أن يبعدا الكلمة عن شبه الفعل، فإن الكلمة الغريبة قد تنقل إلى اللغة وتستعمل اسما أو علما، ولكنها لا تسلك مسالك الفعل حتى تصاغ صوغ الأفعال فيها وتخضع لتصريفها، وذلك ما لا يكون للكلمة حتى يكرر استعمالها، وتنسى عجمتها، وتسلك مسلكا يؤهلها في اللغة الجديدة. فأولى بالعجمة أن تكون عنوان الاسمية لا الفعلية.
وقد لاحظ النحاة هذه المفارقة في عللهم، وأن منها ما يبعد الاسم عن الفعل، ولا يحقق شبهه به، فقالوا: «إن وجه مشابهة الاسم للفعل هنا مجرد الفرعية لا نوعها؛ وذلك أن الفعل فرع على الاسم من وجهين؛ الأول: لفظي، وهو اشتقاق الفعل من الاسم. والثاني: معنوي، وهو حاجة الفعل أبدا إلى فاعل، ولا يكون الفاعل إلا اسما. فهذه العلل التي عددوا، تحقق - كما زعموا - مجرد الفرعية؛ لأن العلمية فرع التنكير، والتأنيث فرع التذكير.» إلى آخر ما قالوا. على أنهم إذا كانوا قد قصدوا إلى مجرد الفرعية، فلم هذا التحديد؟ وقد لاحظ بعض النحاة أن مثل دريهم فيه فرعية من ناحية اللفظ، وهي صوغه على هذه الصيغة؛ فلفظ دريهم فرع للفظ درهم ، وفيه فرعية ترجع إلى المعنى وهي التحقير، فقد تحقق فيه فرعيتان: إحداهما معنوية، والأخرى لفظية، وأشبه بهما الفعل، ولم يمنع من الصرف.
Bilinmeyen sayfa