بالحلال والحرامِ معاذُ بن جبل" (١).
_________
= روى أبو داود في "سننه" ٣: ٣٠١ "عن علي ﵇ قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليَمَن قاضيًا، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديثُ السنّ ولا عِلمَ لي بالقضاءِ؟ فقال: إن الله سيَهدي قلبك، ويُثَبِّتُ لسانك، فإذا جَلَس بين يديك الخصمان فلا تَقضِيَنَّ حتى تَسمعَ من الآخَرِ كما سمعتَ من الأول، فأنَّه أحرى أن يتبين لك القضاء. قال: فما زلت قاضيًا، أو ما شككتُ في قضاءٍ بَعدُ". وروى القاضي وكيع في "أخبار القضاة" ١: ٨٨ بسنده إلى ابنِ عمر وشدَّادِ بن أوس قالا: قال رسول الله ﷺ: "أقضَى أُمَّتي علي". ورواه البغوي أيضًا من طريق أنس، كما في "كشاف الخفاء" للعجلوني ١: ١٦٢. وناهيك برجل علَّمه رسول الله القضاء، ودَعَا له بالسدادِ والثباتِ على الحق، وشَهِدَ له بالأفضليةِ في معرفة القضاء.
وقد اشتَهر أبو الحسن عليٌّ ﵁ بالقضاء حتى صار يُضرَب به المثلُ في حَل المُعضِلات وفَك المُغلَقَات، حتى قيل في كل مشكلةٍ يَستعصي حَلُّها ويَصعُبُ كشفُ كُنهها: "قَضِيَّةٌ ولا أبا حَسَن لها". يَعنون أن عليًا أبا الحسن ﵁ وهو حلَّالُ المشكلات - قد يَعجِز عن حلِّ تلك المشكلة التي عَجَزوا عنها لتوغُلها في الصعوبة والإغلاق.
ولهذا كان عمر ﵁ وهو المُحَدَّثَ المُلْهَم - يتعوَّذُ من مُعضِلة ليس لها أبو الحسن، وكان يقول؛ لولا عليٌّ لهَلَك عمر. ويقول: عليٌّ أقضانا. وقال عبد الله بن مسعود: كُنَّا نتحدث أن أقضَى أهل المدينة عليٌّ بن أبي طالب. وقال عبد الله بن عباس: والله لقد أُعطِيَ علي بن أبي طالب تسعةَ أعشار العلم، وأيمُ الله لقد شارككم في العَشْرِ العاشر. وقالت عائشة: إنه لأعلَمُ النَّاس بالسُّنَّة.
أسلَمَ عليٌّ وعمره ١٣ سنة، ومات في ليلة ١٧ من رمضان سنة ٤٠ من الهجرة عن ثلاث وستين سنة من العمر، ﵁.
(١) وهذا ثناءٌ عظيم من رسول الله ﷺ على أفضلية علم معاذ بالحلال والحرام. ولهذا أمَرَ النَّاسَ بأخذِ القرآن عنه لعلمه بحلالِهِ وحرامه. روى البخاري ٧: ٩٦ و٩: ٤٣، ومسلم ١٦: ١٧ واللفظ له: عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص ﵁ قال: قال =
1 / 47