ومما يُعَدُّ من الموضوع ما جاء في ١: ٧٦ "الطلاقُ والعَتَاقُ من أيمانِ الفُسَّاق" و"من حَلَفَ واستثنى عاد كمن لم يَحِلف" كما يُعلَم من الكشف عنهما من كتب الموضوعات وغيرِها. وفي ٤: ٢٣٦ "عن أبي موسى الأشعري أنَّه كان يقول: إنا لنَكْشِرُ في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم". هو من كلام أبي الدرداء كما في "صحيح البُخاريّ" ١٠: ٤٣٧. وهناك غيرها وما ذكرتُهُ كنموذج. ولا غرابة في هذا، فكم من عالمٍ إمامٌ في علمٍ عاميٌّ في علم آخر، وشواهدُه كثيرة، ولا يُلحَقُ بالعالم عالب في هذا، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾، وقال سبحانه: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقد تحلَّت مصنَّفاتُه كلُّها بالإبتكار والتميُّز: لغةً وأسلوبًا، وبحثًا وتنقيبًا، ونخلًا وتحقيقًا، وجمعًا وتنسيقًا، حتى ألزَمَتْ البعيدَ والقريب بالِإذعان لِإمامته، ولو لم يكن له من التآليف سوى كتابه "الفروق" لكفى دليلًا على علو كعبه في العلم، فهو كتابٌ نَسيجُ وحدِهِ، جاء فيه بالعجب العجاب، لم يُسبَق إلى مثله، ولا أتى أحد بعده بشِبهه، فكيف ومؤلفاته أربت على عشرين مؤلَّفًا في فنون متعددة، وفيها النفائس والدُّرَر.
وكان ﵀ رُحلةً، يَرحَل إليه العلماء من الآفاق البعيدة، ويقصدونه للقاء والمشافهة. وممن رحل إليه: الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البقُّوري الأندلسي المراكشي المتوفَّى فيها سنة ٧٠٧، صاحبُ "إكمال الِإكمال على صحيح مسلم للقاضي عياض"، رحل إليه إلى مصر وأخذ عنه، واختصر كتابه "الفروق" ورتَّبه وهذَّبه كما في "شجرة النور التركية" لمحمد مخلوف ص ٢١١ و"الديباج المُذْهَب" لإبن فرحون ص ٣٢٢.
وممن رحل إليه أيضًا: الِإمام ابن راشد محمد بن عبد الله بن راشد البكري التونسي شارح "مختصر ابن الحاجب"، كما في "نيل الابتهاج" للتُّنبُكْتِي ص ٢٣٥، حَكَى عن نفسه سيرتَه في طلب العلم فقال: "أدركتُ بتونس أجلَّة من النبلاء وصدورًا من النحاة والأدباء فأخذتُ عنهم، ثم رحلتُ إلى الإسكندرية
1 / 24