وجاء الشهر الثاني، فكفت أسماء عن الدخول إلى غرفته، ووكلت العناية به إلى خادمتها، ولم تكن الخادمة، على طيبة قلبها، قادرة أن تتجلد لهذه الخدمة المضنية؛ لأن الأستاذ أنيس لم يعد قذرا فقط، بل لقد أصبحت قذارته تشبه النجاسة.
ومضت سبعة شهور وهو على هذه الحال.
ووجدت أسماء نفسها ذات صباح، وهي تتأمل حالته، تقول في صوت مسموع: حيوان، وأحست كأنها تريد أن تبصق، وسمعت أمها وهي تقول: لو أنه يموت!
أجل، لقد فكرت أسماء كثيرا، لو أنه يموت لأصبحت هي حرة تتزوج من تشاء؛ فإنها لا تزال دون الثلاثين، وقد زاد جمالها روعة وأنوثتها سحرا.
ولم يعد هناك بصيص من أمل في شفائه.
وذات صباح نادت أسماء خادمتها وطلبت منها أن تنقل الأستاذ أنيس إلى غرفتها؛ غرفة الخادمة التي تجاور المطبخ؛ حتى لا تتعب كثيرا في العناية به، وعلى كل حال يجب إخفاؤه بعيدا عن عيون الزائرين.
وعادت الخادمة فحملته من السرير إلى حضيض الغرفة، فوقع كما لو كان كتلة من الطين، ثم نقلت السرير، ثم حملته كما لو كان غرارة تحوي سقط المتاع، فألقته على سريره في غرفتها.
ولم تعد أسماء ترى وجهه، وبقي نحو شهرين وهو لا يحس ولا يعقل، ثم مات الأستاذ أنيس ودفن في الخفاء، وتنهدت أسماء وأمها والخادمة في ارتياح، ودبت الحياة في البيت من جديد، وكثر الزائرون من عائلات الشبان المرشحين للزواج.
الفصل التاسع
الحيوان الذي كان إنسانا
Bilinmeyen sayfa