والشاهد في ذلك أن هؤلاء وأمثالهم من مفكري الغرب وعلمائه، إنما يعتنقون الإسلام رغبة في اتباع الحق، وهم مَن هم في بلادهم من العلم والفكر والثقة.
أما اليهود الذين يصعب زحزحة أحدهم عن دينه لما أشرب منذ نعومة أظفاره من نظريات عرقية ودينية تجعله يتعالى على سائر بني البشر، فقد آمن منهم في القديم وصدَّق بنبوة محمد ﷺ عبد الله بن سلام ومخيريق وكعب الأحبار وغيرهم. وما زال علماء منهم يدخلون في دين الله على مرور الزمن.
ففي عهد السلطان "بيازيدخان" اعتنق حبر من أحبار اليهود الإسلام، وتسمى بعبد السلام، وألف رسالة سماها "الهادية" ذكر فيها كثيرًا من بشارات التوراة بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم١.
ومن اليهود السامريين الذين اعترفوا بنبوة محمد ﷺ ولم يدخلوا في دين الله الكاهن أبو الفتح بن أبي الحسن السامري الدنفي مؤلف كتاب "التاريخ مما تقدم عن الآباء"، فقد كتب فيه عن محمد ﷺ ما هو حق وعدل وإنصاف. ومن ذلك ما يلي: "ومحمد ما أساء إلى أحد من أصحاب الشرائع ... وأقام في المملكة عشر سنين، وكل العالم طائعون له. ومنه انتقلت مملكته إلى أقاربه بني أمية على ما أوصاهم، ولم يزيدوا، ولم ينقصوا، ولا أساءوا إلى أحد قط"٢.
غير أن با الفتح أخطأ النجعة. فإن محمدًا ﷺ ليس بملَك، وإنما هو نبي مجاهد مطاع في أصحابه. ثم إن الحكم من بعده لم ينتقل إلى بني أمية. بل صار أولا إلى خلفائه الراشدين أبي بكر فعمر فعثمان فعلي ﵃ وهم كلهم من قريش، ليس فيهم أموي سوى عثمان ﵁ وبعد مقتل علي ﵁ بايع الناس ابنه الحسن -رضي الله
_________
١ إظهار الحق ص٥٢٨ طبعة قطر.
٢ تقديم التوراة السامرية لأحمد حجازي ص١٩.
1 / 9