بسم الله الرحمن الرحيم
الافتتاح:
١ - ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٠].
٢ - عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟! قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين"، أخرجه البخاري ومسلم.
٣ - وعن أبي بن كعب ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون بالبناء ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع تلك اللبنة، وأنا في النبيين موضع تلك اللبنة" أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
٤ - وروى الشيخان عن جابر بن عبد الله ﵁ نحوه، وزاد مسلم في روايته: "فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء".
٥ - وجاء في المزمور الثامن عشر بعد المائة من مزامير داود:
٢٢ - الحجر الذي رفضه البناءون، قد صار رأس الزاوية.
1 / 5
٢٣ - من قِبَل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا.
وفي الترجمات القديمة: الحجر الذي أخَّره البناءون، صار حجر الزاوية.
٦ - وجاء في إنجيل متى ٢١/ ٤٢ ومرقس ١٢/ ١٠ - ١١ ولوقا ٢٠/ ١٧: قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناءون، هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا. وهو عجيب في أعيننا.
متى ٢١/ ٤٣: لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله يُنزع منكم، ويُعطى لأمة تعمل أثماره.
وفي ترجمة دار الكتاب المقدس سنة ١٩٨٠: لذلك أقول لكم: سيأخذ الله ملكوته منكم، ويسلمه إلى شعب يجعله يثمر.
متى ٢١/ ٤٤ ولوقا ٢٠/ ١٨: من سقط على هذا الحجر ترضض -وفي ترجمة دار لكتاب: تهشم- ومن سقط هو عليه سحقه.
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله الذي أكرمنا بالإيمان، وأعزنا بالإسلام، وأنعم علينا بنبيه محمد ﷺ فهدانا من الضلال، وجمعنا من الشتات، وأغنانا بشريعته التي تدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر. نسأل الله سبحانه أن يهدينا إلى الحق، وأن يثبتنا عليه، وأن يرزقنا شكره على ذلك.
أما بعد، فإن الانتقال من دين إلى دين ليس بالأمر العادي في صعوبته. والعاقل يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على تبديل دينه، ولا سيما إذا كان قومه قد عودوه منذ الصغر على الاستعلاء والتعصب لعرقه واحتقار الآخرين ودياناتهم، بل عودوه على الحقد والكراهية لغير بني جنسه أو مذهبه كاليهود ومن لف لفهم. لكن إذا صدع الحق قلبه، وولج فيه، فإنه يقدم على ذلك غير مبالٍ ولا هياب؛ لأنه يريد أن ينقذ نفسه باتباع الحق، ليس في هذه الحياة فحسب، بل في الحياة الآخرة التي لا نهاية لها.
وكلامي هذا لا يشمل الذين يغيرون دينهم لغرض دنيوي أو هوى أو حاجة استُغلوا من أجلها. فمن يُغرى بالمناصب ونحوها، أو تستغل فاقته ومرضه، كما يفعل دعاة النصرانية اليوم، لا يوصف بأنه بدل دينه؛ لأنه فريسة، ولأن عملهم ضرب من التلصص الروحي. بل إنما ينصب كلامي على العقلاء والمفكرين، وبخاصة علماء الدين، الذين يفكرون فيما اختاروه من دين وعقيدة سنوات، ثم يقدمون على ما رأوا من الحق غير عابئين بما
1 / 7
يخسرون من مادة ومكانة، ولا بما قد يصيبهم من تحامل وضرر. فيقدمون فرحين على اعتناق الحق الذي رأوه، ثم يبينون ويعلنون سبب دخولهم في دين الله، ويصبحون من الذابين عنه أكثر ممن وُلد من أبوين مسلمين.
وكثير من مفكري أهل الكتاب دخلوا في دين الإسلام رغبة في اتباع الحق بعد دراسة عميقة وتدبر لهذا الدين، انقشعت فيها الشبهات والتشويهات، وتجلت فيها الحقائق الثابتة، فكان إيمانهم عن رغبة وعلم ومعرفة. وكانت البشارات بهذا النبي الكريم ﷺ في كتبهم المقدسة، وذكر أوصافه وأوصاف أمته من أكبر العوامل الداعية لهم للدخول في دين الإسلام.
فمن النصارى الذين اعترفوا بنبوة محمد ﷺ ودخلوا في دينه القس الأسباني إنسلم تورميدا. فقد ترك التثليث وأقبل على التوحيد تاركا المكانة الدينية التي بلغها. سافر إلى تونس في القرن الثامن الهجري، وسمى نفسه عبد الله، وأضيف إليه لقب الترجمان لاشتغاله بالترجمة. ألف كتابا سماه "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب" ذكر فيه سبب إسلامه والدوافع التي أدت به إلى ترك التثليث.
وفي عصرنا الحاضر اعتنق الإسلام الطبيب والعالم الفرنسي موريس بوكاي الذي درس الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، واستطاع أن يثبت بالأدلة العلمية أن القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد الذي خلا من التحريف والتبديل، وقد تضمن حقائق علمية أتى الزمان مترجما لها. ثم صنف في ذلك كتابا سماه "القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم" صدر باللغة الفرنسية، ثم ترجم بعد ذلك إلى العربية وغيرها.
وكذلك العالم المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جيرودي المعروف بكثرة مقالاته ودفاعه عن الإسلام. بل إن له نظرات ثاقبة في فهم بعض الآيات والأحاديث مما يدل على الإيمان العميق والعلم والمعرفة.
1 / 8
والشاهد في ذلك أن هؤلاء وأمثالهم من مفكري الغرب وعلمائه، إنما يعتنقون الإسلام رغبة في اتباع الحق، وهم مَن هم في بلادهم من العلم والفكر والثقة.
أما اليهود الذين يصعب زحزحة أحدهم عن دينه لما أشرب منذ نعومة أظفاره من نظريات عرقية ودينية تجعله يتعالى على سائر بني البشر، فقد آمن منهم في القديم وصدَّق بنبوة محمد ﷺ عبد الله بن سلام ومخيريق وكعب الأحبار وغيرهم. وما زال علماء منهم يدخلون في دين الله على مرور الزمن.
ففي عهد السلطان "بيازيدخان" اعتنق حبر من أحبار اليهود الإسلام، وتسمى بعبد السلام، وألف رسالة سماها "الهادية" ذكر فيها كثيرًا من بشارات التوراة بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم١.
ومن اليهود السامريين الذين اعترفوا بنبوة محمد ﷺ ولم يدخلوا في دين الله الكاهن أبو الفتح بن أبي الحسن السامري الدنفي مؤلف كتاب "التاريخ مما تقدم عن الآباء"، فقد كتب فيه عن محمد ﷺ ما هو حق وعدل وإنصاف. ومن ذلك ما يلي: "ومحمد ما أساء إلى أحد من أصحاب الشرائع ... وأقام في المملكة عشر سنين، وكل العالم طائعون له. ومنه انتقلت مملكته إلى أقاربه بني أمية على ما أوصاهم، ولم يزيدوا، ولم ينقصوا، ولا أساءوا إلى أحد قط"٢.
غير أن با الفتح أخطأ النجعة. فإن محمدًا ﷺ ليس بملَك، وإنما هو نبي مجاهد مطاع في أصحابه. ثم إن الحكم من بعده لم ينتقل إلى بني أمية. بل صار أولا إلى خلفائه الراشدين أبي بكر فعمر فعثمان فعلي ﵃ وهم كلهم من قريش، ليس فيهم أموي سوى عثمان ﵁ وبعد مقتل علي ﵁ بايع الناس ابنه الحسن -رضي الله
_________
١ إظهار الحق ص٥٢٨ طبعة قطر.
٢ تقديم التوراة السامرية لأحمد حجازي ص١٩.
1 / 9
عنه- فتنازل لمعاوية بن أبي سفيان ﵄ وهو قرشي من بني أمية. وبذلك بدأ العصر الأموي. أما قبل ذلك فهو عصر الخلفاء الراشدين المهديين.
ومن اليهود الذين اعتنقوا الإسلام مؤلف كتابنا هذا الحكيم المحقق السموءل بن يحيى بن عباس المغربي الأندلسي المتوفَّى عام ٥٧٠هـ-١١٧٤م. كنيته أبو نصر. كان من أعاظم اليهود قبل إسلامه. وهو طبيب رياضي مشارك في بعض العلوم. قدم مع أبيه إلى بلاد المشرق. كان أبوه ينشد المال شأن كل يهودي، أما هو فكان يحب العلم ويطلبه بشغف ومثابرة. سكن في بغداد مدة، ثم انتقل إلى أذربيجان في بلاد العجم، وأقام في مراغة، ولم يزل بها إلى آخر عمره.
أتقن كثيرًا من العلوم والفنون وتبحر فيها، كالرياضيات والطب والحكمة والتاريخ وغير ذلك، وصنف في ذلك مصنفات منها ما يلي: المفيد الأوسط في الطب، إعجاز المهندسين، المنبر في مساحة أجسام الجواهر المختلفة لاستخراج مقدار مجهولها، رسالة إلى أبي خدود في مسائل حسابية، نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب، وغير ذلك.
وكتابه هذا "بذل المجهود في إفحام اليهود" يدل على واسع علمه وكثرة خبرته؛ فقد أظهر في أثناء مناقشاته لعقائد اليهود وتحليله لنصوص التوراة أوهام الأحبار وضلالاتهم والأسرار التي تنطوي عليها نفوسهم، وكشف أخطاءهم ومغالطاتهم، وفضح طرقهم الملتوية وحيلهم الماكرة. ولا عجب في ذلك، فقد كان قبل إسلامه من أعاظم أحبار اليهود؛ ولذلك استطاع بما وصل إليه من علم بالتوراة وسعة اطلاع على الكتب -متونا وشروحا- أن يفحم علماء عصره من اليهود، ولا يزال هذا الإفحام يتحدى أحبارهم حتى يومنا هذا. وهو يتبع في ذلك طريقة "الفناقلة" فيورد السؤال، ويتصور جوابه وما يمكن أن يستدرك عليه، ثم يرد على ذلك كله ويجيب عنه سادًّا الأبواب كلها على خصمه، ومُحكِّمًا القارئ في ذلك: نقول لهم ... فإن قالوا ....
1 / 10
قلنا ... وهو يورد نصوص التوراة باللغة العبرية، ثم يفسرها بالعربية من غير أن يشير إلى مكانها في التوراة وسائر كتب الأنبياء غالبا، وإذا ذكر ذلك في بعض الأحيان، فإنما يذكر السِّفْر أو رقمه دون أن يحدد المكان.
ولذلك قمت بتخريج هذه النصوص من خلال الكتب التالية: الكتاب المقدس الصادر عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط عام ١٩٨٤م، والكتاب المقدس الصادر عن جمعيات الكتاب المقدس المتحدة عام ١٩٦٦م، وكلاهما من ترجمة البروتستانت، والكتاب المقدس الصادر عن دار المشرق ببيروت عام ١٩٨٣م وهو من ترجمة الكاثوليك، وفي آخره حواشٍ وتعليقات على بعض فصوله، والتوراة السامرية التي قدم لها وعلق عليها الدكتور/ أحمد حجازي.
وقد اعتمدت ترجمة البروتستانت؛ لأنهم إنما يعترفون بالتوراة العبرانية دون الترجمة اللاتينية وغيرها، ثم إنهم لم يغيروا نصوص ترجمتهم، فالطبعات القديمة والحديثة نصوصها واحدة؛ وبذلك كانت توراتهم أقرب إلى توراة اليهود الذين نحن بصددهم، بخلاف غيرهم، فإنك تجد الفوارق الشاسعة في أمور حساسة بين طبعة وأخرى. وقمت أيضا بالتعليق على النصوص والأفكار والبشارات التي يوردها موضحا لها وزائدا في أدلتها؛ لتقوم الحجة وتكتمل الفكرة. ومما دفعني إلى ذلك أن الكتاب قد أفاد منه واستشهد بنصوصه كثير من العلماء والباحثين الذين اشتغلوا بمناظرة أهل الكتاب أو مقارنة الأديان قديما وحديثا، وعلى رأسهم ابن القيم ﵀ في كتابه "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى". وقد أضفت إليه بعض العناوين وجعلتها بين هاتين الإشارتين [].
ولنستمع الآن إلى المؤلف ﵀ يحدثنا عن نفسه فيقول: إن أبي كان يقال له: الرآب يهوذا بن آبون من مدينة فاس بأقصى المغرب. والرآب لقب تفسيره: الحبر. وكان أعلم أهل زمانه بعلوم التوراة، وأقدرهم على التوسع في ارتجال منظوم العبراني ومنثوره. وكان اسمه المدعو به بين أهل العربية أبا البقاء بن يحيى بن عباس المغربي؛ وذلك أن كثيرًا من
1 / 11
متخصصيهم يكون له اسم عربي غير اسمه العبري أو مشتق منه. أما أمي فأصلها من البصرة، وهي إحدى الأخوات الثلاث المنجبات في علوم التوراة، وهن بنات إسحاق بن إبراهيم البصري الليوي -أعني: سبط ليوي- وهو مضبوط النسب؛ لأن منه كان موسى ﵇ وكان اسم أمي باسم أم شموائيل النبي ﵇ ومكثت أمي عند أبي مدة لا ترزق ولدا حتى استشعرت العقم، فنذرت أنها إن رزقت ولدا ذكرًا تسميه شموائيل، فحين رُزقتني دعتني شموائيل، وهو إذا عُرب: السموءل. وكناني أبي أبا نصر. وشغلني بالكتابة بالقلم العبري، ثم بعلوم التوراة وتفاسيرها.
حتى إذا أحكمت علم ذلك عند كمال الثالثة عشر من مولدي شغلني حينئذ بتعلم الحساب الهندي وحل الزيجات عند الأستاذ العالم أبي الحسن الدسكري. وقرأت علم الطب على الفيلسوف أبي البركات هبة الله بن علي، والتأمل في علاج الأمراض ومشاهدة ما ينفق من الأعمال الصناعية في الطب والعلاجات التي يعالجها خالي أبو الفتح الطبيب.
فأما الحساب الهندي والزيج، فإني حملت علمهما في أقل من سنة، حين كمل لي أربع عشرة سنة، ثم قرأت الحساب الديواني وعلم المساحة على العالم أبي المظفر الشهرزوري، وقرأت الجبر والمقابلة عليه وعلى الكاتب ابن أبي تراب، وترددت إلى الأستاذ أبي الحسن بن الدسكري وأبي الحسن بن النقاش لقراءة الهندسة، حتى حللت المقالات التي كانا يحلانها من كتب إقليدس، وأنا في خلال ذلك متشاغل بالطب. وبقي بعض كتاب الواسطي في الحساب والكتاب السابع في الجبر والمقابلة للكرخي لا أجد من يعرف منه شيئًا، وغير ذلك من العلوم الرياضية مثل كتاب شجاع بن أسلم في الجبر والمقابلة وغيره.
وكان لي من الشغف بهذه العلوم والعشق لها ما يلهيني عن المطعم والمشرب إذا فكرت في بعضها. فخلوت بنفسي في بيت، وحللت جميع تلك الكتب وشرحتها، ورددت على من أخطأ فيها، وأظهرت أغلاط مُصنفيها. كل ذلك في السنة الثامنة عشرة من مولدي. واتصلت تصانيفي في هذه العلوم،
1 / 12
وفتح الله عليَّ كثيرًا مما أُرتج على من سبقني من الحكماء المتدربين، فدونت ذلك لينتفع به من يقع عليه. وفي خلال ذلك ليس لي مكسب إلا بضاعة الطب. وكان لي منها أوفر حظ؛ إذ أعطاني الله من التأييد فيها ما عرفت به كل مرض يقبل العلاج من الأمراض التي لا علاج لها. فالحمد لله على جزيل مننه وعظيم فضله ونعمه.
وقد كنت قبل اشتغالي بهذه العلوم -وذلك في السنة الثانية عشرة والثالثة عشرة- معتنيًا بالأخبار والحكايات، شديد الحرص على الاطلاع على ما كان من الزمن القديم، فاطلعت على التصانيف المؤلفة في الحكايات والنوادر على اختلاف فنونها، وطلبت الأخبار الصحيحة، فمالت نفسي إلى التواريخ، فقرأت كتاب أبي علي بن مسكويه الذي سماه تجارب الأمم، وطالعت تاريخ الطبري وغيرهما من التواريخ. وكانت تمر بي في هذه التواريخ أخبار النبي ﷺ وغزواته وما أظهر الله تعالى له من المعجزات، وحباه به من النصر والتأييد في غزوة بدر وغزوة خيبر وغيرهما، وقصة منشئه في اليتم والضعف، ومعاداة أهله له، وإقامته فيما بين أعدائه يجاهدهم بإنكار دينهم عليهم، والدعوة إلى دينه مدة طويلة وسنين كثيرة إلى أن أَذِنَ الله له في الهجرة إلى دار غيرها، وما جرى لأعدائه من النكبات ومصرعهم بين يديه بسيوف أوليائه ببدر وغيرها، وظهور الآية العجيبة في هزيمة الفرس، ورستم الجبار معهم في ألوف كثيرة، في غاية من الحشد والقوة، بين يدي أصحاب سعد بن أبي وقاص ﵁ وهم يسير على حالة شديدة من الضعف، وانكسار الروم وهلاك عساكرهم على يدي أبي عبيدة عامر بن الجراح وخالد بن الوليد ﵄ ثم سياسة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ﵄ وعَدْلهما وزهدهما.
ومع ذلك، فإني لكثرة شغفي بأخبار الوزراء والكتاب قد اكتسبت بكثرة مطالعتي لحكاياتهم وأخبارهم وكلامهم قوة في البلاغة ومعرفة بالفصاحة. وكان لي في ذلك طبع يحمده الفصحاء، ويُعجب به البلغاء، فشاهدت
1 / 13
المعجزة التي لا تباريها الفصاحة الآدمية في القرآن العظيم، فعلمت صحة إعجازه.
ثم إني لما هذبت خاطري بالعلوم الرياضية، ولا سيما الهندسة وبراهينها، راجعت نفسي في اختلاف الناس في الأديان والمذاهب، فعلمت أن العقل حاكم يجب تحكيمه على كليات أمور عالمنا هذا؛ إذ لولا أن العقل أرشدنا إلى اتباع الأنبياء والرسل، لما صدقناهم في سائر ما نقلنا عنهم. وعلمت أنه إذا كان أصل التمسك بالمذاهب الموروثة عن السلف، وأصل اتباع الأنبياء مما أدى إليه العقل، فإن تحكيم العقل على كليات جميع ذلك واجب١. وإذا نحن حكمنا العقل على ما نقلناه عن الآباء والأجداد علمنا أن النقل عن السلف ليس يوجب العقل قوله من غير امتحان لصحته، بل لمجرد كونه مأخوذًا عن السلف، لكن من أجل أن يكون أمرًا ذا حقيقة في ذاته، والحجة موجودة بصحته. فأما الأبوة السلفية وحدها فليست بحجة؛ إذ لو كانت حجة لكانت أيضا حجة لسائر الخصوم الكفار كالنصارى، فإنهم نقلوا عن أسلافهم أن عيسى ابن الله، وأنه الرازق المانع الضار. فإن كان تقليد الآباء والأسلاف يدل على صحة ما ينقل عنهم، فإن ذلك يلزم منه الإقرار بصحة مقالة المجوس٢، وإن كان هذا التقليد لأسلاف اليهود خاصة دون غيرهم من الأمم، فلا يقبل ذلك منهم، إلا أن يأتوا بدليل على أن
_________
١ لا شك في أن ما ينزل به الوحي على الأنبياء يتفق مع العقل السليم والفطرة الصافية. والشارع لا يأتي بما تحيله العقول، بل إنما يأتي بما تُحار فيه. لكن من يضمن لنا سلامة العقل وصفاء الفطرة وعدم تأثرهما بشيء؟ لذا كان الوحي هو الفيصل في ذلك، لكن بعد أن يصح النقل ويسلم.
٢ وهذا مطابق لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣، ٢٤].
1 / 14
آباءهم وأسلافهم كانوا أعقل الأمم. فإذا ادعت اليهود ذلك في حق آبائهم وأسلافهم، فجميع أخبار أسلافهم ناطقة بتكذيبيهم في ذلك. وإذا تركنا التعصب لهم، فنحن نجعل لآبائهم أسوة بسائر آباء غيرهم من الأمم. فإذا كانت آباء النصارى وغيرهم قد نقلوا عن آبائهم الكفر والضلال الذي تهرب العقول منه، وتنفر الطباع السليمة عنه، فليس بممتنع أن يكون ما نقله اليهود عن آبائهم أيضًا بهذه الصفة. فلما علمت أن اليهود لهم أسوة بغيرهم فيما نقلوه عن الآباء والأسلاف، علمت أن ليس بأيديهم حجة صحيحة بنبوة موسى ﵇ إلا شهادة التواتر. وهذا التواتر موجود لعيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- كوجوده لموسى ﵇ فإن كان التواتر يفيد تصديقًا، فالثلاثة صادقون ونبوتهم معا صحيحة.
وعلمت أيضا أني لم أرَ موسى بعيني ولم أشاهد معجزاته، ولا معجزات غيره من الأنبياء ﵈ ولولا النقل وتقليد الناقلين لما عرفنا شيئا من ذلك. فعلمت أنه لا يجوز للعاقل أن يصدق واحدا ويكذب واحدا من هؤلاء الأنبياء ﵈ لأنه لم يرَ أحدهم ولا شاهد أحواله إلا بالنقل. وشهادة التواتر موجودة لثلاثتهم. فليس من العقل ولا من الحكمة أن يصدق أحدهم ويكذب الباقين. بل الواجب عقلا أن يصدق الكل. فأما تكذيب الكل، فإن العقل لا يوجبه أيضا؛ لأنا إنما نجدهم أتوا بمكارم الأخلاق، وندبوا إلى الفضائل، ونَهَوا عن الرذائل، ولأنا نجدهم قد ساسوا العالم سياسة بها صلاح حاله.
فصح عندي بالدليل القاطع نبوة المسيح والمصطفى -عليهما الصلاة والسلام- وآمنت بهما. فمكثت برهة أعتقد ذلك من غير أن ألتزم الفرائض الإسلامية؛ مراقبة لأبي. وذلك أنه كان شديد الحب لي، قليل الصبر عني،
1 / 15
كثير البر بي. وكان قد أحسن تربيتي؛ إذ شغلني منذ أول حداثتي بالعلوم البرهانية، وزيَّن ذهني وخاطري في الحساب والهندسة المعلمين. فمكثت مدة طويلة لا يُفتح عليَّ وجه الهداية، ولا تُحل عني هذه الشبهة، وهي مراقبة أبي، إلى أن حالت الأسفار بيني وبينه، ومدت داري عن داره، وأنا مقيم على مراقبته، والتذمم من أن أفجعه بنفسي. وحان وقت الهداية، وجاءتني الموعظة الإلهية برؤيتي للنبي ﷺ في المنام، في ليلة الجمعة تاسع ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. وكان ذلك بالمراغة من أذربيجان. اهـ بتصرف.
وهكذا كان رؤياه لرسول الله ﷺ سببًا في اطمئنان قلبه وإعلان إسلامه بعد أن آمن عقله من حيث الحجة والبرهان، وإنك لواجد في كتابه هذا ما يدل على أنه أسلم عن خبرة ويقين، فرحمه الله وجزاه خيرا١.
المدينة المنورة ٢٩/ ١١/ ١٤٠٨
عبد الوهاب طويلة
_________
١ انظر في ترجمته في: معجم المؤلفين ٤/ ٢٨١، والأعلام للزركلي ٣/ ٢٠٥.
1 / 16
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلا الله، عدة للقاء الله
أما بعد، حمد الله على ما ألهم من الهداية، وعصم من الغواية، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين.
فإن سبيل من فُضِّل بالفطانة والرشاد، أن يجد في البحث عن أحوال المعاد، والتأمل لما أخذه الآباء والأجداد، بعين الامتحان والانتقاد؛ فإن رآه فضيلة سما لإدراكها، وإن ألفاه رذيلة نجا من أشراكها١؛ لتضحى حقائبه بطانًا من الزاد٢؛ فإن هاتف الموت لبالمرصاد، ولن تُحمد العقبى لمضيِّع في تحصين شرعه، وموزع مواقيته على ما ينقاد إليه بطبعه. ولن يظفر بضالة الحق إلا ناشدوها٣. ولن يهدج٤ الأباطيل على أنفسهم إلا معتدوها.
والغرض الأقصى من إنشاء هذه الكلمة: الرد على أهل اللجاج والعناد٥، وأن يظهر ما يعتور كلمتهم من الفساد. على أن الأئمة
_________
١ جمع شَرَك -بفتحتين- أي حبالة الصياد، الواحدة شركة.
٢ أي: مملوءة بالإيمان والعمل الصالح.
٣ الضالة: ما ضل من البهيمة. والناشد: طالب الضالة. والمراد: الباحث عن الحق.
٤ هدج وتهدج: تكلم بصوت فيه تقطع وارتعاش.
٥ المراد بذلك اليهود لاشتهارهم بذلك.
1 / 17
-ضوعف ثوبهم- قد انتُدبوا لذلك، وسلكوا في مناظرتهم اليهودَ أنواع المسالك. إلا أن أكثر ما نوظروا به لا يكادون يفهمونه، أو لا يلتزمونه.
وقد جعل الله إلى إفحامهم طريقًا مما يتداولونه في أيديهم، من نص تنزيلهم، وإعمالهم كتاب الله عند تبديلهم؛ ليكون حجة عليهم موجودة في أيديهم، وهذا أول ما ابتدئ به من إلزامهم:
1 / 18
[النسخ]:
النسخ من نص كتابهم وما تقتضيه أصولهم:
أقوال لهم: هل كان قبل نزول التوراة شرع أو لا؟ ١
_________
١ صرحت التوراة التي في أيدي أهل الكتاب في عدة مواضع بأن النسخ لا يقع البتة، مع أن النسخ واقع ولازم في نصوص التوراة وشرح التلمود، والمؤلف ﵀ يلزمهم بذلك من عدة وجوه كما سنرى إن شاء الله.
واليهود والنصارى يعترضون على المسلمين، ويعيبون عليهم وجود النسخ في شريعتهم، ويفهمون من ذلك أن الله سبحانه أعطى عن عمد حكمًا ناقصًا لا يوصل إلى المطلوب. ويرون أن هذا وصف لله بالجهل وعدم الحكمة. ويقولون: كيف يجوز أن ينسب إلى الله تعالى كتاب ينقض بعضه بعضًا؟ يريدون بذلك: ينسخ بعضه بعضا.
وهذا الفهم إنما نشأ من كتمانهم للحق أولًا، ومن جهلهم بحقيقة النسخ ثانيا؛ لذا سأذكر نُبْذَة عن حقيقة النسخ وحكمته:
تعريف النسخ:
النسخ لغة: الإزالة. يقال: نسخت الشمس الظل: أي أزالته وحلت محله. ويقال له: التبديل أيضا، وهو جعل شيء مكان شيء آخر. =
1 / 19
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= واصطلاحًا: "بيان انتهاء مدة حكم عملي جامع للشروط" أو "رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب آخر متراخ عنه".
ومعناه: أن الله ﷾ كان يعلم في الأزل أن هذا الحكم سيكون معمولا به لدى المكلفين إلى وقت محدد في علمه، ثم ينسخ. فلما انتهى الوقت المحدد أنزل حكمًا آخر ظهر منه الزيادة أو النقصان -أي: النسخ الجزئي أو التخصيص- أو الرفع مطلقا -أي: النسخ الكلي- وهو العالم بما كان وما سيكون علمًا قديمًا أزليًّا أبديًّا.
ففي الحقيقة هذا بيان انتهاء المدة المعينة للحكم الأول؛ لكن لما لم يكن الوقت المحدد له مذكورا معه، تقرر في أوهام الناس استمراره بطريق التراخي، فلما جاء ميعاد انتهائه وابتداء الحكم الثاني وظهر الأمر، صار بحسب الظاهر للناس نسخا وتبديلا.
حكمته:
النسخ جائز عقلا وواقع شرعا قديما وحديثا من لدن آدم ﵇ إلى أن ختم الله سبحانه الشرائع والكتب بشريعة محمد ﷺ والكتاب الذي أنزله عليه.
ولا ريب أن في نسخ الأحكام حِكَمًا ومصالح نظرًا إلى حال المكلفين والزمان والمكان. كما أن الطبيب الحاذق يبدل الأدوية والأغذية بملاحظة حال المريض والمراحل التي وصل إليها وغير ذلك وفق المصلحة التي يراها، مع الرفق بحاله.
وما يدعيه أهل الكتاب وغيرهم من امتناع النسخ باطل مخالف للواقع. كيف لا وأن المصالح تختلف باختلاف الزمان والمكان وأحوال المكلفين؟!
قال سبحانه: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ١٠٦]. =
1 / 20
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= وقال تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩].
وقال ﷻ: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ﴾ [النمل: ١٠٠].
أمثلته:
١ - كان الصحابة ﵃ في بداءة الأمر مأمورين بترك القتال والإعراض عن المشركين. وقيل لهم: "كفوا أيديكم" ثم نسخ هذا الحكم، وأنزل الله عليهم قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾.
٢ - ثم فرض الله عليهم الجهاد، وأوجب عليهم الثبات للمشركين في الحرب بمعدل واحد من المسلمين لعشرة من المشركين؛ نظرا للحالة التي كانوا عليها، ثم نسخ ذلك الحكم بوجوب مصابرة الواحد من المسلمين لاثنين من المشركين.
قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ، الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٦٥، ٦٦].
٣ - كان الناس حديثي عهد بالإسلام، وكان أهل الجاهلية إذا مات لهم قريب أظهروا من الجزع والنعي ما لا يقره عاقل. فنهى النبي ﷺ المسلمين في بداءة الأمر عن زيارة القبور. ثم لما تمكن الإيمان من نفوسهم رخص لهم في ذلك؛ لما فيه من اتعاظ ودعاء للأموات.
قال ﷺ: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها تذكرة بالآخرة". =
1 / 21
فإن جحدوا كُذِّبوا بما نطق به الجزء الثاني من السِّفْر الأول من التوراة؛ إذ شرع الله على نوح ﵇ القصاص في القتل، ذلك في قوله تعالى١: "شوفَيخ دام هاأذم باذام دامو استافيخ كي يصيلم ألويهم عاسا إت هاذام". تفسيره: سافك دم الإنسان، فليحكم بسفك دمه؛ لأن الله خلق آدم بصورة شريفة٢.
وما يشهد به الجزء الثالث من السفر الأول من التوراة؛ إذ شرع على إبراهيم ﵇ ختان المولود في اليوم الثامن من ميلاده٣.
_________
= تنبيهان:
١ - إنما يكون النسخ من صاحب الشرع عن طريق الوحي دون العبادة.
٢ - لا يطرأ النسخ على الأمور القطعية العقلية، ولا على الأمور الحسية، ولا على الأحكام الواجبة نظرا إلى ذاتها، ولا على الأحكام المؤبدة، ولا على القصاص ونحو ذلك. فلا نسخ مثلا في تحريم الكذب والقتل والزنا والسرقة والخيانة وبر الوالدين وحرمة نكاح الأمهات والبنات وسائر المحارم، ونحو ذلك. وإنما يطرأ النسخ على الأحكام العملية المحتملة للوجود والعدم، وتسمى الأحكام المطلقة، ويشترط فيها ألا يكون الوقت والمكلف والوجه متحدة فيها؛ بل لا بد من الاختلاف في الكل أو البعض من هذه الثلاثة.
أصول فقه الشاشي ص٢٦٨، ٢٦٩، إظهار الحق ص٣١٠.
١ كأن المؤلف ﵀ يجاريهم. ولا يجوز نسبة القول إلى الله ما لم يكن ثابتا. وما بين أيديهم محرَّف كما سيذكر المؤلف فيما بعد.
٢ جاء في سفر التكوين ٩/ ٦: سافك دم الإنسان، بالإنسان يسفك دمه؛ لأن الله على صورته عمل الإنسان.
٣ جاء في سفر التكوين ١٧/ ١٠: هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني =
1 / 22
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= وبينكم، وبين نسلك من بعدك: يختن منكم كل ذكر.
١٧/ ١١: فتختنون في لحم غرلتكم. فيكون علامة عهد بيني وبينكم.
١٧/ ١٢: ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم، وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك.
١٧/ ١٣: يختن ختانا وليد بيتك والمبتاع بفضتك، فيكون عهدي في لحمكم عهدا أبديا.
١٧/ ١٤: وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته، فتقطع تلك النفس من شعبها، إنه قد نكث عهدي.
إذن فقد كان الختان أبديا في شريعة إبراهيم ﵇ وبقي هذا الحكم في أولاد إسماعيل وإسحاق ﵉ وأكدته شريعتا موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
جاء في سفر الأحبار "اللاويين" ١٢/ ٢، ٣: إذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة أيام. كما في أيام طمث علتها تكون نجسة. وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته.
وخُتن المسيح ﵇ كما في إنجيل لوقا ٢/ ٢١: ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سُمي يسوع، كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن.
وفي العهد الجديد الصادر عن دار الكتاب المقدس في العالم العربي عام ١٩٨٠م: ولما بلغ الطفل يومه الثامن، وهو يوم ختانه، سمي يسوع كما سماه الملاك قبلما حبلت به مريم.
ولا زال ثمة صلاة لدى النصارى يؤدونها يوم ختان المسيح تذكرة لذلك اليوم. لكن بولس -صاحب الشخصية الغامضة- ومن تبعه نسخوا هذا الحكم كما في الباب الخامس من سفر الأعمال.
وقد شدد بولس في نسخه تشديدا بالغا، كما في رسالته إلى أهل =
1 / 23
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= غلاطية. فقد جاء فيها ما يلي:
٥/ ٢: هأنا بولس أقول لكم: إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا.
٥/ ٣: لكن أشهد أيضا لكل إنسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس.
٥/ ٤: وقد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبرَّرون بالناموس. سقطتم من النعمة.
٥/ ٦: لأنه في المسيح يسوع، لا الختان ينفع شيئا ولا الغُرلة. بل الإيمان العامل بالمحبة.
وجاء في ٦/ ١٥: لأن في المسيح يسوع، ليس الختان ينفع شيئا، ولا الغرلة. بل الخليقة الجديدة.
وإذا كان النصارى يعيبون على المسلمين النسخ، ويرون أنه يستلزم وصف الله بالجهل وعدم الحكمة. فهذا إنما يرد على مقدسهم بولس الذي لم يكتفِ بنسخ الختان الأبدي فحسب، بل قال عن التوراة وسائر أسفار العهد القديم: إنها بطلت ونزعت، وإن العهد القديم كان ضعيفا وعديم النفع وغير مكمل لشيء، وجعله أحق بالاضمحلال والإبطال. فهل يتصور أن يصدر هذا التشريع وهذا النسخ من ذات الله قديم الصفات وكاملها؟!
جاء في رسالته إلى العبرانيين ٧/ ١٨: فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها.
٧/ ١٩: إذ الناموس لم يكمل شيئا. ولكن بصير إدخال رجاء أفضل، به نقترب إلى الله.
وفي العهد الجديد الصادر عام ١٩٨٠: لأن شريعة موسى ما حققت الكمال في شيء، فحل محلها رجاء أفضل. =
1 / 24