على أن الذي يروم تنزيله منزلة هذا أقرب كثيرا إلى العقل. فإن الأفعال والأوامر الإلهية منزهة عن الوقوف عند مقتضى العقول البشرية١.
_________
١ من الجدير بالذكر أنه لا تعارض بين العقل السليم أو الفطرة الصافية وبين ما جاء به الأنبياء ﵈ فالله ﷾ لم يتعبدنا بشيء يخالف العقل الكامل أو الفطرة. والكتب السماوية إنما تأتي بما تحار فيه العقول لا بما تحيله. ولو أن ذا فطرة سليمة فكر بحق وعمق لأدرك كثيرا من حكم التشريع. وليس ثمة ما يمنع من أن تأتي الرسل مؤيدة لما رأته العقول السليمة. بل يكون ذلك من باب ترادف الأدلة. ولذلك وافق القرآن عمر ﵁ في أمور ارتآها بفطرته الصافية التي نفض الإسلام عنها غبار الجاهلية. لكن من يضمن لنا سلامة العقل وصفاء الفطرة في شخص ما ولو نسبيا؟ ومن يضمن لنا خلو ذلك الشخص من المؤثرات النفسية والاجتماعية؟ ثم من يضمن لنا استمرار ذلك كله؟ وكيف نوفق بين العقول المختلفة والمتفاوتة؟ فمن أجل هذا وغيره كان لا بد من إرسال الرسل بتشريع سماوي يحسم الخلاف، ويكون الوحي المنزل عليهم هو الفيصل في جميع الأمور.
هذا، والأنبياء جميعا يدعون إلى أصول مشتركة، لا تختلف في حقيقتها وجوهرها، ويبنون أحكامهم على أسس متناسقة. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥].
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ =
1 / 29