آباءهم وأسلافهم كانوا أعقل الأمم. فإذا ادعت اليهود ذلك في حق آبائهم وأسلافهم، فجميع أخبار أسلافهم ناطقة بتكذيبيهم في ذلك. وإذا تركنا التعصب لهم، فنحن نجعل لآبائهم أسوة بسائر آباء غيرهم من الأمم. فإذا كانت آباء النصارى وغيرهم قد نقلوا عن آبائهم الكفر والضلال الذي تهرب العقول منه، وتنفر الطباع السليمة عنه، فليس بممتنع أن يكون ما نقله اليهود عن آبائهم أيضًا بهذه الصفة. فلما علمت أن اليهود لهم أسوة بغيرهم فيما نقلوه عن الآباء والأسلاف، علمت أن ليس بأيديهم حجة صحيحة بنبوة موسى ﵇ إلا شهادة التواتر. وهذا التواتر موجود لعيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- كوجوده لموسى ﵇ فإن كان التواتر يفيد تصديقًا، فالثلاثة صادقون ونبوتهم معا صحيحة.
وعلمت أيضا أني لم أرَ موسى بعيني ولم أشاهد معجزاته، ولا معجزات غيره من الأنبياء ﵈ ولولا النقل وتقليد الناقلين لما عرفنا شيئا من ذلك. فعلمت أنه لا يجوز للعاقل أن يصدق واحدا ويكذب واحدا من هؤلاء الأنبياء ﵈ لأنه لم يرَ أحدهم ولا شاهد أحواله إلا بالنقل. وشهادة التواتر موجودة لثلاثتهم. فليس من العقل ولا من الحكمة أن يصدق أحدهم ويكذب الباقين. بل الواجب عقلا أن يصدق الكل. فأما تكذيب الكل، فإن العقل لا يوجبه أيضا؛ لأنا إنما نجدهم أتوا بمكارم الأخلاق، وندبوا إلى الفضائل، ونَهَوا عن الرذائل، ولأنا نجدهم قد ساسوا العالم سياسة بها صلاح حاله.
فصح عندي بالدليل القاطع نبوة المسيح والمصطفى -عليهما الصلاة والسلام- وآمنت بهما. فمكثت برهة أعتقد ذلك من غير أن ألتزم الفرائض الإسلامية؛ مراقبة لأبي. وذلك أنه كان شديد الحب لي، قليل الصبر عني،
1 / 15